وكان ذا فطنة وذكاء مشهود، فقاق أقرانه بسرعة عجيبة، واستوى له الفهم والعلم، وتمكّن في سنّ مبكرة أن يحضر حلقات والده، التي كانت فوق مستواه العمري، وكان لا يحضرُها إلا الطبقة العليا الكبار من ذوي العلم، فانتقل إلى الحضور مع هذه الطبقة العليا، وتلقّى عن والده الشيخ محمد الزرقا.
ولم تمض مدّة يسيرة على هذا الدارس الناشئ النابه بين تلك الطبقة المتقدّمة، حتى ظهر استعدادُه الذهنّي البارق، وتفوقه العلمي الباهر، في الفهم والفقه، على كثير من تلامذة والده، الذين أمضوا في ملازمته السنين الطوال قبله، فكان على صغر سنّه فيهم يعدّ من أوائلهم وأكابرهم في حسن التحصيل، والتلقّي من الشيخ الكبير الوالد فقيه العصر، وبارك الله له في عمر والده، رحمه الله تعالى.
فاستمرّ حضورُه لدروسه ومجالسه قُرَابَة ثُلُث قرن أكثر من ثلاثين سنة، حتى ارتوى من علومه، وتضلّعَ من معارفه وفهومه، وأخذَ عنه الفقه الحنفيّ وأصول الفقه والحديث والتفسير وغيرها، مما كان يجري سلسبيلُه على لسان والده الشيخ محمد في مجالسه وحلقات دروسه، التى كان الشيخ يقوم بها كلّ يوم في المدرسة الشعبانية، وفي جامع آل الأمير (جامع الخير)، وفي المسجد الجامع الكبير بمدينة "حلب"، ثم في بيته لما كَبِرَت سنّ الشيخ، واقتصرَ على التدريس في بيته يحضر إليه الطلبة والعلماء.
وكان علم الفقه أكثرَ ما تلقّاه عنه، وكانت الدراسة على الشيوخ في مدارسهم أو مساجدهم أو بيوتهم بحسب الحال، ولم تكن هناك مدارس أو معاهد نظامية، تُتلقّى فيها العلوم الشرعية على وجه نظامي، يخضع له الجميع، بل كان يدرُس الطالب ما يختارُ، ويجلس إلى من يشاء من العلماء بعد استئذانه أو ما يُشْعِر بإذنه.