وكان الشيخ أحمد يصحبُ والدَه العالم الكبير في غدوّه ورواحه، ويلازمُه في ذهابه وإيابه إلى مجالسه ودروسه فيها ملازمة الظلّ للشاخص، فنَهِلَ منه، وعلَّ، وأوعب، واستوعب، مع اكتمال المدارك، وتفتُّح الذهن العلمي الوقّاد، فملأ وِفَاضه من بحر الشيخ الطامي، وغدا من الفقهاء العلماء المرموقين في حياة والده، رحمه الله تعالى.
وكان يستقي العلمَ من والده مشافهة ودراسة ومصاحبة، فقرأ عليه جملة كبيرة من كتب الفقه الحنفي، وكان مما قرأه عليه قراءةَ تمحيص وتحقيق كتاب "رد المحتار على الدر المختار" لإمام عصره الفقيه السيّد ابن عابدين، وهو المعروف بـ "حاشية الشيخ ابن عابدين" أو بـ "حاشية الشامي".
وهذا الكتاب هو أجمع كتاب في الفقه الحنفي من كتب الفتوى والترجيح، في خمس مجلّدات ضخام كبار جدّا، ويعتبر لدى علماء المذهب منخل المذهب فيما عليه الفتوى. ولا يكاد يعوّل على فتوى في الفقه الحنفي دون الرجوع إلى هذا الكتاب.
فقرأه على والده كَمَلا من أوله إلى آخره، ودرسه دراسة تحقيق وتدقيق، ومناقشة وترجيح، أكثر من مرّتين، خلال عشرين عاما، مع قراءته عليه في التفسير والحديث، والأصول أيضا، وكان هذا الكتاب -وما يزال- أهمّ كتب الفتوى، التي انحصر جهدُ الفقهاء المتأخّرين على قراءتها، دون كتب الاستدلال والتعليل، لتقاصر الهمم، وفتور العزائم والإعراض عن الفقه الأوّل.
ومما قرأه على والده أيضا في الفقه الحنفي: الكتاب الاستدلالي النافع العظيم: "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" للإمام الفقيه الضليع البارع فخر