كان رحمه الله من جملة من تبحّر من عيون الفنون، وتمهّر في علم المفروض والمسنون، وشارك الفحول في علم الفروع والأصول، طويل الباع في العلوم العربية، كثير الاطلاع في الحديث والتفسير والفنون الأدبية، مع جراءة الجنان وطلاقة اللسان، والمحاورات مع الأقران.
وكان رحمه الله مائلا إلى الصلاح، ومتصلا بأرباب الزهد والفلاح، مكبّا على الاشتغال، مجانبا عن القيل والقال، بدأ بإعراب القرآن المبين، مقتفيا لأثر السفاقسي والسمين، وصل به إلى سورة الأعراف، وشرح الحرز المنسوب إلى الإمام الغالب على بن أبي طالب، كرّم الله وجهه، الذى أوله اللّهم يا مَنْ ولع لسان الصبح، وعلّق حواشي على مواضع من "تفسير البيضاوي"، و"الهداية"، وشرحا لـ "المواقف"، و"المفتاح"، وله رسائل بقيتْ أكثرها في المسوّدة.
وكان له يد في الشعر والإنشاء والتحرير والإملاء، وله هذا الكلام في التحنّن إلى "الشَّام"، نسيم الصبح أن سافرتَ شاما، فبلِّغْ أرضَها مني السَّلاما، يحنّ القلب مذ فارقتُ عنها.
وكان الطيب قد وصل المشاما، لعلّ الله يلطف لي بفضل، ويسر دورة ذاك المقاما، ومن الظرائف ما قال فى مدح الطائف، ولطائف تحوي لطائف جمّة من غرف ماء مع لطيف هواء أرض، تساوي روضة، بمحاسن ماء يحاكي كوثرا بصفاء، ونسيمها بلطافة يحيى النسيم، وفواكه متجاوز الأحصاء، وله بفضل الله أني لا أبالي، وإن كان العدوّ رمى بجهله، وليس يضرّنا الحسّاد شيئا، فسوء المكر ملتحق بأهله.