حكى والدي رحمه الله أنه لما أراد أن يسافر منْ مدينة "بروسه" إلى بلدة "أنقره" قبيل ولادتي بشهر رأى في المنام في الليلة التي سافر في صبيحتها شيخا جميل الصورة، وقال له: ابشرْ، فإنه سيولد لك ولد، فسمّه باسم أحمد.
فلمّا سافر رحمه الله قصّ هذه الواقعة على والدتي، ثم إني ولدت في الليلة الرابع عشرة من شهر ربيع الأول سنة إحدى وتسعمائة، ولما بلغت سنّ التمييز انتقلنا إلى بلدة "أنقره"، فشرعنا هناك في قراءة القرآن العظيم، وعند ذلك لقبني والدي بعصام الدين، وكناني بأبي الخير، وكان لي أخ أكبر مني بسنتين، اسمه محمد، ولقّبه والدي بنظام الدين، وكناه بأبي سعيد، ثم إنه لما ختمنا القرآن انتقلنا إلى مدينة "بروسه"، فعلمنا والدي شيئا من اللغات العربية.
ثم إنه رحمه الله سافر إلى مدينة "قسطنطينية"، وسلّمني إلى العالم العامل علاء الدين الملقّب باليتيم، وقد أسلفنا ذكره، فقرأت عليه من الصرف مختصرا مسمّى بـ "المقصود"، و"مختصر عزّ الدين الزنجاني"، و"مختصر مراح الأرواح"، وقرأت عليه أيضًا من النحو "مختصر المائة" للشيخ الإمام عبد القاهر الجرجاني، و"كتاب المصباح" للإمام المطرزي، و"كتاب الكافية" للشيخ العلامة ابن الحاجب، وحفظت كلّ ذلك بمشاركة أخي المزبور، ثم شرعنا في قراءة "كتاب الوافية في شرح الكافية".
ولما بلغنا مباحث المرفوعات جاء عمّي قوام الدين قاسم إلى مدينة "بروسه"، وصار مدرّسا بمدرسة مولانا خسرو، وهناك قرأنا عليه من مباحث المرفوعات إلى مباحث المجرورات، وعند ذلك مرض أخي مرضا مزمنا، والتمس مني أن أتوقّف إلى أن يبرأ، فتوقّفت لأجله، فقرأت في تلك المدّة على عمّي "كتاب الهارونية" من الصرف، و"ألفية ابن مالك" من النحو، ولما أتممتُ حفظها توفي أخي في سنة أربع عشرة وتسعمائة رحمه الله تعالى، فشرعت في قراءة "ضوء المصباح" على عمّي، فقرأتُه من أوله إلى آخره، وكتبتُ ذلك الكتاب، وصحّحتُه غاية التصحيح والإتقان.