ثم انتقل إلى "مدرسة فلبه"، وكان له كلّ يوم ثلاثون درهما، وكان المولى ابن الحاج حسن في ذلك الوقت قاضيا بمدينة "كليبولي" فأخذ له الوزير محمود باشا من السلطان محمد خان مرادية "بروسه"، فحسده المولى الخيالي على ذلك، وكتب إلى الوزير محمود باشا كتابا، وأرسَلَه إليه، وأوردَ فيه هذين البيتين لنفسه أعجوبة في آخر الأيام تبديك صحّة ظفرة النظام، وفساد آراء الحكيم، لأنها في الآن قطع مسافة الأعوام، ولما قرأ الوزير محمود باشا هذين البيتين، قال: إن المولى لا يعرف هذا الرجل، وهو مستحقّ لذلك، ثم إن المولى تاج الدين المشتهر بابن الخطيب لما توفي بـ "أزنيق"
وهو مدرّس بها عرضه الوزير محمود باشا، فتأسّف عليه السلطان محمد خان تأسّفا عظيما، ثم قال للوزير المزبور أطلبْ مكانه رجلا فاضلا شابّا مهتمّا بالاشتغال، فتبادر ذهن الوزير إلى المولى الخيالي، لكن لم يتكلّمْ في ذلك المجلس، ثم عرض المولى الخيالي في مجلس آخر، فقال السلطان محمد خان: أليس هو الذي كتب الحواشي على "شرح العقائد"، وذكر فيها اسمك، قال: نعم، هو ذلك، قال: إنه مستحقّ لذلك، فأعطاه المدرسة المذكورة، وعيّن له كلّ يوم مائة وثلاثين درهما، فلمّا جاء إلى "قسطنطينية" لم يقبل المدرسةَ، لأنه قد تهيّأ للحجّ، فأبرم عليه الوزير محمود باشا، فقال: إن أعطيتني وزارتك، وأعطى السلطان سلطنته، لا أترك هذا السفر، فعرض الوزير محمود باشا على السلطان، فقال: هلا أبرمت عليه، قال: أبرمت، وقال: إن أعطيتني وزارتك لا أترك هذا السفر، ولم يذكر السلطان استحياء من السلاطين، فحزن لذلك السلطان محمد خان، وأمر أن يدرّس معيدُه في تلك المدرسة إلى أن يرجع هو من "الحجاز"، ولما رجع من الحجّ صارَ مدرّسا بها، ولم يلبثْ إلا سنين قليلة، حتى مات. وكان سنّه وقتئذ ثلاثا وثلاثين سنة.