ثم قعدتُ في حضور الشيخ على أدب وصمت زمانا، وقال الشيخ للحاضرين: هذا ضيفنا، فأكرموه، ثم ذهب الشيخ إلى خلوته، فبتُ تلك الليلة هناك، ورأيتُ في المنام سراجا ضعيف الاشتعال في زاوية من جامع الشيخ، وفي يدي شمعة، أريد أن أوقدها من ذلك السراج، وقصدتُ ذلك ثلاث مرّات، وفي كل مرّة يغيب السراج عن بصري، ولما انتبهتُ من الواقعة صاحبتُ مع الشيخ، وذهبتُ مع إجازته، ثم نظرتُ، فإذا مدّة الإقامة ثلاثة أيام، ثم إني كتبتُ إلى الشيخ الإلهي كتابا، ورغبتُه عن الإتيان إلى مدينة "قسطنطينية"، وفي السكون في مقامه، فكان ذلك سببا لإقامة الشيخ مدّة بـ "سماونه"، ولما مات الشيخ الإلهى ظهرتْ آثار خلافة الشيخ بمدينة "قسطنطينية"
ورغب الناس في خدمته، وتركوا المناصب، واختاروا خدمته، ولما كثر الطالبون بنى بمدينة "قسطنطينية" مسجدا وحجرات لسكنى الطالبين، ووقف عليها أوقافا لمعاشهم.
وكان آداب مجلسه أنه يجلس على هيبة ووقار، والناس حوله يجلسون متحلّقين على أدب عظيم، كأن على رؤوسهم الطير، وكان مشرفا على الخواطر بحيث يأخذون الجواب من غير عرضهم الخواطر، وكان لا يجري في مجلسه كلمات دنيوية أصلا، وكانتْ طريقته العمل بالعزيمة، وترك البدعة، والاتباع للسنّة، وإقامة الصلاة، والانقطاع عن الناس، والمداومة على الذكر الخفي، والعزلة عن الأنام، وقلّة الكلام والطعام، وإحياء الليالي، وصوم الأيام.
مات رحمه الله تعالى في سنة اثنتين وعشرين وتسعمائة، ودفن عند مسجده، وقبره يزار، ويتبرّك به.