وكان أكثر الناس تواضعًا، يجيب من دعاه من غنى أو فقير، أو حر أو عبد.
وكان أرحم الناس، يصغي الإناء للهرة، وما يرفعه حتى تَرْوَى، رحمة لها.
وكان أعفّ الناس، وأشدّهم إكرامًا لأصحابه، لا يمدّ رجليه بينهم، ويوسع عليهم إذا ضاق المكان، ولم تكن ركبتاه تتقدم ركبة جليسه، له رفقاء يحفون به، وإن قال أنصتوا له، وإن أمر تبادروا لأمره، ويتحمل لأصحابه، ويتفقدهم، ويسأل عنهم، فمن مرض عاده، ومن غاب دعا له، ومن مات استرجع فيه، وأتبعه الدعاء له، ومن تخوّف أن يكون وجد في نفسه شيئًا، انطلق إليه حتى يأتيه في منزله، ويخرج إلى بساتين أصحابه، ويأكل ضيافتهم، ويتألف أهل الشرف، ويكرم أهل الفضل، ولا يطوي بشره عن أحد، ولا يجفو عليه، ويقبل معذرة المعتذر إليه، والضعيف والقوي عنده في الحق سواء، ولا يدع أحدًا يمشي خلفه، ويقول:"خلوا ظهري للملائكة". ولا يدع أحد يمشي معه وهو راكب، حتى يحمله، فإن أبى قال: تقدمني إلى المكان الفلاني. ويخدم من خدمه، وله عبيد وإماء، ولا يرتفع عنهم في مأكل ولا ملبس.
قال أنس بن مالك، رضي الله تعالى عنه: خدمته نحوا من عشر سنين، فوالله ما صحبته في حضر ولا سفر لأخدمه إلا كانت خدمته لي أكثر من خدمتي له، وما قال لي: أفّ قط، ولا قال لشيء فعلته: لم فعلتَ كذا، ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلتَ كذا.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ، فأمر بإصلاح شاة، فقال رجل: يا رسول الله، عليَّ ذبحها.