برجالها المبرّزين، وعلمائها المهَرَة، وأوليائها الكبار، مثل العلامة المحقّق الشيخ محمد أعلى التهانوي، صاحب "كشّاف اصطلاحات الفنون"، تلك الموسوعة العلمية الكبيرة، التي حازتْ ثناء أهل العلم وثقة أهل المعرفة في مشارق الأرض ومغاربها - ومثل العلامة الشيخ محمد التهانوي، والحافظ محمد ضامن الشهيد، والعارف المحقّق إمداد الله المهاجر المكّي، الذين لقّبوا في أنحاء هذه البلاد بالأقطاب الثلاثة، رحمهم الله تعالى رحمة واسعة.
ولد حكيم الأمة رحمه الله في هذه القرية العامرة بالعلم والدين، والورع والتقي، وترعرع في بيئة دينية خالصة، وحفظ فيها القرآن، وتعلّم مبادئ الفارسية والعربية وعلوم الدين على أيدي أساتذة مهَرَة، وكان منذ نعومة أظفاره مكبّا على العلم والعلماء، ميّالا إلى الطاعات، بعيدا عن اللهو.
وكان من رقّة طبعه منذ ميعة صباه أنه لم يكن يتحمّل النظر إلى بطن أحد، وهو عريان، وكان إذا فاجأه صبي من الصبيان ببطنه المكشوف غلبه القيئ، فكان الصبيان يعاكسونه، ويكشفون أمامه عن بطونهم ليقئ، فكان رحمه الله ربما يتعب منه القيئ مرّة بعد أخرى، وكانت هذه الرقّة في طبعه سببا تكوينيا من الله تعالى، جعلتْه لا يميل إلى مخالطة عامة الصبيان، فأصبح بعيدا عن لهوهم وعبثهم.
وقد تعوّد رحمه الله صلاة الليل، وهو ابن اثنتي عشرة سنة، وكانت زوجة عمّه ربما تستيقظ في منتصف الليل، وتراه يصلّي، فتحاول إشفاقا عليه أن يقلّل منها، ولكنّه لتأصّلها في نفسه لا يهتمّ بهذا، ويستمرّ في صلاته.
وهكذا صار يتعلّم في وطنه مبادئ العلوم الدينية، حتى إذا بلغ الخامس عشر من عمره رحل إلى "دار العلوم ديوبند"، وكانت - ولا تزال - أكبر مركز للعلوم الدينية في "الهند"، وجامعة علمية مكتثّة بأولي العلم والفضل