خطباء الجامعة -وأكاد أقول من خطباء البلد كلّه- الذين عَهِدْتُهم في كسب المستمعين، وجَعْلِهِم يهتزّون بخطابه، ويَطْرَبُون بإلقائه، ويَفْرَحُون بما يكونون قد كسبوه من الفوائد الجمّة خلالَ الجلسة الواحدة.
وكان يمتاز بأسلوبه الفريد، ولهجته الخاصّة، وبعض الفقرات الأردية، التي كان قد نَحَتَها هو، وتَفَرَّدَ بها، حتى كان عددٌ من الطلاب -ومنهم كاتبُ هذه السطور- يُحَاكُون أسلوبَه الخطابيَّ المِتَّسِم بتلك الفقرات الفريدة ذات اللهجة الممتازة.
وكان المستمعون يزدحمون في الحفلات، التي كان يُدْعَى لإلقاء الخطاب فيها؛ فلو حَدَثَ أنه غاب عنها لسبب مُلِحٍّ اضْطَرَّه للغياب وعدم الحضور، خَيَّمَ عليهم اليأسُ والأسفُ، اللذان لا يمكن وصفُهما إلّا بعد جهدٍ.
وكانت الخطابةُ قدرةً فيه طبيعيّةً، فلم يكتسبْها بالمحاكاة أو التقليد أو الارتياض، نعم امتلك ناصيتَها بالمواظبة عليها ومواصلة ممارستها عَبْرَ هذه السنن الطويلة المِمْتَدَّة على الفترة بين شبابه الغضّ وكهولته الطاعنة في السنّ؛ فكان خطيبًا، يُشَار إليه بالبنان عَبْرَ هذه البلاد: القارّة خصوصًا وعبر شبه القارّة الهنديّة عمومًا. وكان حضورُه بخطابه حفلةً ما ضمانَ نجاحها مائةً في المائة، وبالعكس كان غيابُه عنها رمزًا على فشلها أو نجاحها الناقص. وظلَّ عَبْرَ حياته العمليّة الحافلة بكلّ نوع من الإنجازات على صفة "الخطيب المِفَوَّه المِحَبَّب"؛ فكانت وفاتُه المفَاجِئه خسارةً لا تُعَوَّض بالقياس إلى هذه الناحية هي الأخري، إلى جانب النواحي العديدة التي تَرَكَتْ -وفاتُه- فيها ثغرًا لا يُمْلأ بشكل من الأشكال، في هذا العصر الذي أصبح يُعْرَف بأنه كاد يخلو من العَبَاقِرَة في كلّ مجال من مجالات الحياة ولا سيّما المجَالات، التي تمسّ الدينَ والعقيدةَ