المشتغلين بالحديث وتدريسه منذ وقت طويل، ويَتَبَدَّى في تدريسه للحديث تذوّقُه للفنّ، واهتمامُه البالغُ به، وحرصُه المِتَنَاهِي عليه، وتوفُّرُه على دراسته روايةً ودرايةً، ومتنًا وسندًا، وألفاظًا ومعانيَ، ودلالات وإشارات؛ فأصبح من العلماء البارزين بالحديث وعلومه، وغدا معروفًا بالنسبة إليه، بعدَ ما كان يُعْرَف بأنّه أحد العلماء الأجلّاء الأفراد بـ "الهند". بالقياس إلى مُجْمَل مزاياه؛ فكانت وفاتُه خسارةً أيَّ خسارة من حيث كونه مُحَدِّثًا أيضًا يُتْقِنُ تدريسَ الحديث؛ لأنّ هاتي الجامعات والمدارس الإسلاميّة الأهليّة -التي تَتوَلَّى مسؤوليةَ المرابطة على الثغر الإسلاميّ الواسع- رغمَ انتشارها الكبير تشكو قلّة المِدَرِّسِين والأساتذةَ المِتْقِنِين للتدريس، ولا سيّما الأساتذة الأكفاء لتدريس العلوم العَالِيَة، وعلى رأسها الحديثُ والتفسيرُ والفقهُ؛ حيث إنّ كسب صفة الإتقان في هذه العلوم يَتَطَلَّب التفرّغَ والانقطاعَ والانصرافَ عن الجشع الماديّ الذي أصبح اليومَ فاغرًا فاه يكاد يبتلع، حتى كلَّ "مُخْلِص" فضلًا عن بعض المِرَائِين المِنْتَمِين إلى ركب الخدمة الإسلاميّة ذات المجال الواسع. والجبهةُ الإسلاميّةُ مخوفٌ عليها المخافةَ كلَّها من هذه الناحية، وليس مخوفًا عليها مخافةً كبيرةً من قبل الأعداء السافرين، الذين كثيرًا ما يندحرون بسهولة لأنّهُم مَرْئِيُّون؛ فالحذرُ منهم، وبالتالي مداهمتهم في مكانهم، كلاهمان سهلان على كلّ مُهْتَمٍّ بالمرابطة على الجبهة الإسلاميّة.
ودارتْ في مخيلتي صورتُه: وهو يُسَيْطِر على الحضور في حفلة كبيرة حاشدة؛ بخطابه الحماسيّ، وحديثه العزيز اللّذيذ، وإلقائه اللَّافِت، وطرحه الفريد، وصوته المِدَوِّي، ومادّته الغنيّة، ومعلوماته الوافية في الموضوع. وقد كان ولا سيّما إبّانَ تعلّمي بالجامعة أكبرَ خطيبَ حَمَاسِيٍّ، لا يدانيه أحدٌ من