وشاع صِيتُ هذه المدرسة في أقطار "الهند"، وقصدت من كلّ جانب، وشرع الشيخ نفسه يدرّس فيها العلوم وأعاظم الكتب من الحديث والتفسير والبيان والمعقول وغيرها، وبقى على الإفادة والتدريس عدّة سنين، وتخرّج على يديه الأفواج الكثيرة من الطلبة الذين غدوا كبار العلماء في تلك الديار بعده.
ثم أغراه الحنينُ إلى مألفه وبلده "كشمير"، وكان قد اطمأنّ إلى بُسُوق "المدرسة الأمينية" واستكمال وجودها، فتوجّه إلى "كشمير"، وأسّس فيها مدرسة دينية علمية، سمّاها "الفيض العام"، فدرّس فيها، وأفتي، ونصح الأمة قلما ولسانا، وأزال كثيرا مما راج هناك من البدع والرسوم المحدَثة، فانقشعتْ بوجوده سحائب الجهل المتراكمة، وتلألأتْ آثار السنّة النبوية الشرفية.
وبعد ثلاث سنوات من قيامه بتلك المدرسة ونشر العلوم فيها، اشتاق إلى زيارة بيت الله الحرام، وإلى حرم رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فوفّقه الله إلى زيارتهما في سنة ١٣٢٣ هـ، ومكث في "مكّة المكرّمة" عدّة شهور، يطفئ ضرام وجده بالطواف والعبادة حول البيت المعظّم، ثم حثّه داعى الشوق إلى "المدينة الطيّبة"، فشدّ الرحل إلى روضة النبي الكريم صلّى الله عليه وسلّم، وبقى فيها برهة من الدهر، ولقى فيها أكابرَ علماء البلاد الإسلامية، وذاكرهم في مهمّات المسائل.
واغتنم فرصةَ قربِه من مكتبات "المدينة المنوّرة" الخطّية، وخاصّة مكتبة شيخ الإسلام عارف حكمة، والمكتبة المحمودية، فانكبّ على مطالعة نفائسهما من التفسير والحديث وغيرهما، حتى طفح صدرُه بعلوم تلك الأسفار الزاخرة، ثم عاد إلى وطنه يطوي في ضميره الرجوع إلى الحرمين والمجاورة في "المدينة المنوّرة"، حتى لقاء الله تعالى.