فيه هذه الملكات والشمائل الحسنة فمن أين لنا وجه كوجه الشيخ الأنور؟ حيث تنبعث أشعّته، ويتهلّل جبينه، وتقرّ العيون بمرآه، وتنشرح الصدور بزَوْرَة مُحَيَّاه، كثيرا ما رأينا في الأسفار أن الناظرين في الحفلات والمواعظ والمناظرات كما كانوا يتحيّرون من تلاطم علومه وسعة معلوماته، كذلك يندهشون من حسنه البارع، وجماله المعجب، بل الكفرة والمشركون كانوا يتأثّرون من نظرة إلى مُحَيَّاه، ولقد صدق القائل:
ليس على الله بمستنكَر … أن يجمع العالَمَ في واحد.
كان في بدء عمره لا يتوجّه كثيرا إلى حقائق التصوّف، ولكن غلبَ عليه في آخر العمر الانهماك والاستغراق في بيان الحقائق والمعارف، حتى قد يصدَع بحقائق عالية ومعارف مضنونة تُحَيِّرُ البصائرَ وألبابَ الفحول.
ثم فوق جميع ذلك مصابرته على الشدائد، ومكابدته في المصائب، وقد جرّبنا ذلك في فتنة اختلافات "دار العلوم الديوبندية"، فتحيّرنا لضبط نفسه وشدّة صبره واستقامته واستقلاله، فاعتقدنا كمالاته بعد المسابَرَة والتجارب أزيد مما كنا نعتقدها من قبل. وقد صدق القائل:
الصدر من يلقى الحطوبَ بصدره + وبصَبْره وبحمده وبشكره.
انتهتْ كلمة الشيخ العلامة الحبر العثماني دامتْ بركاته ملخّصة. وقد استوعبتْ فنصعتْ، وجمعتْ فأوعبتْ، وكشفت الحجب فصَدَعَتْ، ولا تلحَقُكَ غفلة من أنّ هذه المقالةَ ليستْ من أحد تلامذة الشيخ رحمه الله، ولا من مسترشديه وأصحابه، بل هذه مقالة مَنْ بلغ الغاية القصوى في كمالاته وفضائله، ومن هو مُسَاهِمُه في شيخ، ومعاصره في عمر، شجرتان من روض واحد، سقيتا بماء واحد، فلله درّه ثم لله درّه، كيف صَدعَ بالحقّ وكَشَفَ بالصدق، جزاه الله عني أولا، ثم عن سائر المسلمين خيرَ ما يجازي به عبادَه المحسنين.