إني كلّما أطالع كتاب "الأم" يقع في قلبي أن الإمام الشافعي رحمه الله من أذكياء الأمّة.
وكان يقول: أقدر على تلخيص كتبهم أيّ كتاب كان، إلا كتاب "الأم"، وكان يثني على "البدائع" كثيرا، فكان يقول: إن مؤلّفات العراقيين من الفقهاء الحنفية أثبت وأتقن من تصانيف الخراسانيين، ولكن "البدائع" مع أن مؤلّفه ملك العلماء أبا بكر الكاساني من الخراسانيين، ولكنه في التثبّت والإتقان مثل مؤلّفات العراقيين، بل فاق حسنا على سائر كتب فقهائنا الحنفية رحمهم الله، كتاب بديع إن طالعه عالم بالغور والإمعان لصار فقيه النفس، وهو أنفع للمدرّسين والمؤلّفين منه للمتفين.
وكان يقول: لا يجوز لأحد أن يفتي ما لم يطالع "البحر" أو "رد المحتار" بأسره أو كتابا مبسوطا آخر من مبسوطات الفقه الحنفي، نعم صدق من قال: لا تقَعَنَّ البحرَ إلا سابحا.
وكان رحمه الله يقول: إذا ثبت في أمر قول أبي حنيفة رحمه الله فلا أرجع إلى قول الصاحبين، وإذا لم يرو عن الإمام شئ فما وجدتُه مرويا عن الإمام أبي يوسف آخذه ولا أنتطر قول الإمام محمد، وإذا لم يثبتْ شئ عن أبي يوسف فأعملُ على قول محمد ولا ألتفت حينئذ إلى أقوال باقي المشايخ الحنفية، وإن لم أجدْ عنه قولا فإن كان عن الإمام الطحاوي قول فأتمسّك به. وإذا اختلف العراقيون ومشايخ "ما وراء النهر" فأختار ما ذهب إليه العراقيّون، ولا ألتفتُ إلى تصحيح المشايخ وترجيحهم عند الاختلاف، إذ ربما يختلف التصحيح، بل العبرة عندي إذن لقوّة الدليل.
وكان يقول رحمه الله: لا أقلّد أحدا من الأئمة في سائر الفنون النقلية والعقلية إلا الفقه، فإني أقلّد فيه الإمام أبا حنيفة رحمه الله تعالى، فلي رأيّ