تقف عليها بعد التتبّع البالغ، فكما أنهم استثنوا من العقوبات حدّ الشرب، كذلك ينبغي تقييد المعاملات أيضا بشئ يخرج أمثال هذه الفروع المنصوصة عليها في كتب الفقه. وهذا تفصيل لا بدّ من المصير إليه، والله أعلم، انتهى كلام شيخنا في "فتح الملهم".
المثال الثاني: اختلف الأئمة في مسألة المصرّاة، والحديث فيها مشهور، فذهب مالك والشافعي، وأحمد وأبو يوسف إلى: أن التصرية عيب، يردّ بها المبيع، ثم عن أبي يوسف روايتان في ردّ صالح من التمر معها أو قيمة اللبن؟ وقال أبو حنيفة ومحمد: لا يردّ، والحديث وارد عليهما.
فاختار الحنفية في الجواب مسالك، واضطرّوا إلى العمومات في مقابلة الخصوض من الآثار والمنصوص، وأحسن مَنْ أجاب منهم الإمام الطحاوي في "شرح معاني الآثار"، وهو أول مَنْ أجابَ منهم، فعارضه بحديث "الخراج بالضمان"، وهو حديث قويّ، وليراجعْ تفصيل جوابه من كتابه.
فقال الشيخ رحمه الله: جواب الطحاوي وإن كان أحسن مما استدلّوا به من العمومات والقياس، وتبعه المتأخّرون غير أنه أيضا لا يجدي حسب تفصيل فقهائنا الحنفية رحمهم الله، حيث قسموا العيبَ في مسألة خيار العيب إلى ثمانية أقسام، فإن الزيادة إما متولّدة من المبيع أو غير متولّدة؟ وكلّ منها إما متصلة أو منفصلة. فهذه أربعة أقسام، وكلّ منها إما قبل القبض أو بعده، فصارتْ ثمانية.
والذي يحمل عليه حديث الخراج بالضمان عندهم هي الزيادة غير المتولّدة، فكيف يجدي استدلاله بالعام الذي يحتمل وجوها ومحامل؟ ثم قال: والذي تحقّق عندي أن الحديث من باب الديانة، لا من باب القضاء، فتجب الإقالة على البائع ديانة، فإن مدار القضاء على الظواهر لا السرائر، فالسرائر