البهوفالي، من هو أدون منهم بمراتب، من حيث لا يشعرون، فيستمسكون بعراهم، ويعتصمون بأقوالهم وآرائهم الشاذّة، ويزْعُمُونها وحيا سماويا، لا يتغيّر، ولا يتبدّل، وكأنهم معصومون عن الخطأ والسهو، وأن الحقّ لا يتجاوز رأيهم، ولا يعدو مظنونهم، فيا للعجب، ويا للأسف.
هداهم الله وإيانا بفضله، ونجانا من غوائل الهوى، ووفّقنا لاتباع أئمة الهدى، ولولا مخافة التطويل والخروج عما أنا بصدده لصَدَعْتُ بالبحث وبَيَّنْتٌ عُوَار هذا القول الشنيع وسقيتُ الصَّدَى، وشفيتُ الصدرَ، وبردتُ الغليل، والله يقول الحقّ، ويهدي السبيل، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلىّ العظيم.
ودونك الآن مثالين ليتّضح لك دأب الشيخ رحمه الله في أبحاث الفقه:
المثال الأول: قال شيخنا المحقّق -الإمام شبير أحمد العثماني- في "فتح الملهم شرح صحيح مسلم": قال علامة عصرنا الفاضل الكشميري أطال الله بقاءه (رحمه الله) إن قولهم: الكفار مخاطبون بالمعاملات، إن كان المراد به الخطاب ثوابا وعقابا في الآخرة فمسلّم، لا شكّ فيه، وإن كان المرادُ الخطابَ صحةً وفسادًا في أحكام الدنيا فليس هذا عندي على الإطلاق، فقد صرّح في "الهداية" أن الكافر إذا تزوّج بلا شهود أو في عدّة كافر -وذلك في دينهم جائز- ثم أسلما أقِرَّا عليه عند أبي حنيفة رحمه الله، لأنّ الحرمة لا يمكن إثباتها ها هنا حقّا للشرع، لأنهم لا يخاطبون بحقوقه، ولا وجه لإيجاب العدّة حقّا للزوج، لأنه لا يعتقده.
وصرّح الشيخ ابن الهمام رحمه الله أن المسلم إذا باع من الحربيّ ميتة أو خنزيرا، أو قامرَه وأخذ المال، يحلّ كلّ ذلك عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله تعالى، ولو كانوا مكلّفين بالمعاملات بحسب الصحة والفساد لم يصحّ النكاح في الصورة الأولى، ولم يحلّ ذلك المال في الصورة الثانية، ولهذا نظائر أخرى