فيقال لهذا الذي يُقعقع بالشِّنَان ويُجعجع من غير طحين: هلا ادّعى ابن رشد الفقيه الاجتهادَ بسبب هذا الكتاب؟ ولم لم يُعَدَّ في زمرة المجتهدين؟ ولِمَ يعزو نفسَه إلى المذهب المالكي؟ وكيف يقلّد في الفروع؟ وهل يسوغ التقليد لمن بلغَ رتبةَ الاجتهاد؟.
نعم هو رجل فقيه النفس بعيدُ الغور، له مزايا جليلة هو فريد فيها، وقد أحسن إلى الأمّة الإسلامية بإبراز هذا العقل النفيس، غاص في منشأ اختلافات الأئمة، ونبّه على أنه كيف تشعَّبت الآراء، وتطرّقت الاحتمالات، وتنوّعت الأدلة، فعرفها، وفهمها، لا أنه صار مجتهدا مطلقا في المذهب بهذا القدر، فإنه لا يكفي هذا القدر فقط، ولا يشفي، نعم وليس القوادم كالخوافي.
فإذا لم يكنْ هو نفسه مجتهدا فما ظنّك بمن يستفيد منه، حتى يبلغ به قُلّة الاجتهاد الشامخة التي تبقى العين دونها حَسْرى، وما تنفع الشعفة في الوادي الرغيب، فليستقم المرء وليتزوّد التقوى، ولا يتّبع الهوى، فإنه قد أضلّ وأردى، وليعرف لكلّ شئ قدره، وليُعْطِ كلّ ذي حقّ حقّه.
على أنه لخّص كتابه هذا من كتاب "الاستذكار" لحافظ المغرب ابن عبد البر، فالفضل أصله يرجع إلى أصله، وإن كان هو موفَّقا في التلخيص والإجادة، وهو -ابن عبد البر- إمام وفضله أكثر، ولم يُعَدَّ هو في المجتهدين، بل عُدَّ من كبار المالكية وحفّاظ المحدّثين، وكفى به مزية وفضلا.
وأما الفريق الآخر فنطوي الكَشْحَ عن خطابه، فإن هؤلاء بلغتْ سفاهتهم إلى غاية وأمد بعيد، حيث يستنكفون عن اتباع الإمام أبي حنيفة، والإمام الشافعي، والإمام أحمد، فقهاء الأمّة المحمدية، ثم يقلّدون أقوال ابن حزم وابن تيمية وابن القيّم، بل القاضي الشوكاني، وبل النوّاب المعزول