للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

جماعه لم أر أحسن منهم، فجلست إليهم، فجعلتْ أراود نفسي في طلب قوت منهم لعيالي، فيمنعني من ذلك ذلّ السوال، فبينا أنا كذلك، إذا بخادم قد أقبل فاستدعاهم، فقاموا كلّهم، وقمت معهم، فدخلوا دارًا عظيمة، فإذا الوزير يحيى بن خالد، فجلسوا حوله، وعُقد عقد ابنته عائشة على ابن عمّ له، ونثروا علينا سحيق المسك، وبنادق العنبر، ثم جاءت الخدم إلى كلّ واحد من الجماعة بصينية من فضّة، فيها ألف دينار، ومعها فتات المسك، فأخذها القوم، ونهضوا، وبقيت الصينية التي وضعوها بين يدى، وأنا أهابُ (١) أن آخذها من عظمتها (٢) عندى، فقال لي بعض الحاضرين: ألا تأخذ، وتقوم، فمددت يدى، فأخذتها، وأفرغتها في جيبي، وأخذت الصينية تحتّ إبطي.

وقمت وأنا خائف أن تؤخذ مني، فجعلت ألتفت، والوزير ينظرني، ولا أشعر، فلمّا بلغت الستارة أمر بي فردّوني، فيئست من المال، فلمّا رجعت قال لي: ما شأنك؟ فقصصت عليه خبري، وخبر عيالي، فبكى، وقال لأولاده: خذوا هذا، فضمّوه إليكم. فجاءني خادم، فأخذ مني الذهب والصينية، وأقمت عندهم عشرة أيام، من ولد إلى ولد، وخاطري كلّه عند عيالي، ولا يمكنني الانصراف.

فلمّا انقضت العشرة، قال لي الخادم: ألا تذهب إلى أهلك، فقلت: بلى والله، فقام يمشي أمامي، ولم يعطني الذهب، فقلت في نفسي: يا ليت هذا كان من قبل. فسار أمامي إلى دار لم أر أحسن منها، فإذا فيها عيالي يتمرّغون في الذهب والحرير، وقد وصل إليهم مائة ألف درهم وعشرة آلاف دينار، وكتاب فيه تمليك الدار بما فيها، وتمليك قريتين جليلتين، فكنت مع البرامكة في أطيب عيش، فلمّا أصيبوا أخذ مني عمرو بن سعيد القريتين،


(١) في بعض النسخ: "أخاف".
(٢) في بعض النسخ: "عظمها".

<<  <  ج: ص:  >  >>