الحسن بن زياد كتبه، وكنت لزمته، فرأيته يوما في الصلاة، وغلام أمرد إلى جانبه في الصفّ، فلمّا سجد مدّ يده إلى خدّ الغلام، فقرصه، وهو ساجد، ففارقته، وجعلته على نفسي أن لا أحدّث عنه أبدا".
ثم قال ابن عدي: وأخبرني بعضُ أصحابنا عن أبي علي الحافظ البلخي، عن الحسين بن محمد الحريري، قال:(رأيت الحسن بن زياد يلعب بذكر صبي)، انظر إلى ما سجّله هذا الجلف باسم الجرح، ففيه ما ينادي أنه ليس عنده من العقل ما يفهم به أن هذا البهت معه ما يكذبه، ويفضح الباهت الأثيم، والحاكي المجرم اللئيم، فأيّ فاسق في أفسق البلاد، وأفسق العصور يجترئ على مثل هذا في الجامع والجماعة صفوف، من غير أن يأتيه الموت من كلّ جانب، وأين كان هذا المتخلّف عن الجماعة، حتى شاهد ما جرى في موضع السجدة هو وحدَه دون الجماعة؟ وكيف لم يرفع هذا المشاهد لما جرى تحت الصفوف المتراصّة أمر هذا الفاجر إلى صاحب الشأن في الحضور! بدل أن يلغ في دمه وعرضه بعد وفاته، ويعرضه للولوغ في عرضه هكذا مدى الدهور، أم كيف سكت المعتدي عليه على هذا الاعتداء؟ ومن رأى هرما متهدّما يقع منه هذا؟ كلّ ذلك يدلّ على عقل هذا الحقود الكنود ودينه، والحسن بن زياد رضي الله عنه كان توفي سنة ٢٠٤ هـ، وهو في سنّ الهرم والتهدّم يناهز عمره التسعين، أو يزيد، وقد ذكر البرهان الزرنوجي، تلميذ صاحب "الهداية" في "تعليم المتعلّم" أن الحسن بن زياد استمرّ على تعلّم العلم أربعين سنة أخرى، فيكون ابتداؤه في تحصيل العلم في حدود سنة ١٢٤ هـ، وهو ابن ثمان فيما أرى، كما سيأتي الكلام على ذلك في آخر الترجمة، فانتظره.
فلا تقلْ سنّه عند وفاته من نحو التسعين، والرهاوي توفي سنة ٢٦١ هـ، فيكون في سنّ الصغر عندما أدرك الإمام الحسن بن زياد، فهل يتصوّر عاقل من هرم متهدّم في أواخر العقد التاسع أن يقترف مثل هذا الفجور؟