وعن هلال بن المحسن، أنه توفي يوم الاثنين، الثاني من رجب، سنة ثمان وستين وثلاثمائة، عن أربع وثمانين سنة.
قال أبو حيّان التوحيدي في "تقريظ الجاحظ" له: أبو سعيد السيرافي شيخ الشيوخ، وإمام الأئمة معرفةً بالنحو، والفقه، واللغة، والشعر، والعروض، والقوافي، والقرآن، والفرائض، والحديث، والكلام، والحساب، والهندسة، أفتى في جامع الرصافة خمسين سنة على مذهب أبي حنيفة فما وجد له خطأ، ولا عثر له على زلّة، وقضى بـ"بغداد"، هذا مع الثقة والديانة والأمانة والرزانة، صام أربعين سنة أو أكثر، الدهر كلّه.
وقال في "محاضرات العلماء": شيخ الدهر، وقريع العصر، العديم المثل، المفقود الشكل، ما رأيت أحفظ منه لجوامع الزهد نظمًا ونثرًا، وكان دينًا، ورعًا، تقيًا، نقيًا، زاهدًا، عابدًا، خاشعًا، له دأب في القراءة والخشوع، وورد بالليل من القيام والخضوع، ما قرئ عليه شيء قطّ فيه ذكر الموت والبعث ونحوه، إلا بكى وجزع، ونغص عليه يومه وليلته، وامتنع عن الأكل والشرب، وما رأيت أحدًا من المشايخ كان أذكر لحال الشباب، وأكثر تأسّفًا على ذهابه منه، وكان إذا رأى أحدًا من أقرانه عاجله الشيب تسلّى به.
وقال في "الامتناع والمؤانسة": هو أجع لشمل العلم، وأنظم لمذاهب العرب، وأدخل في كلّ باب، وأخرج من كلّ طريق، وألزم للجادة الوسطى في الخلق والدين، وأروى للحديث، وأقضى في الأحكام، وأفقه في الفتوى، كتب إليه ملوك عِدّة كتبًا مصدرة بتعظيمه، يسأله فيها عن مسائل في الفقه والعربية واللغة.
وكان حسن الخطّ، طلب أن يقرّر في ديوان الإنشاء فامتنع، وقال: هذا أمر يحتاج إلى دُربْة، وأنا عارٍ منها، وسياسة وأنا غريب فيه.