وفي "الدر الثمين" أن أبا سعيد لما شهد عند قاضي القضاة ابن معروف، وقبل شهادته، وصار من جملة عدوله، عاتبه على ذلك أحد المختصين به، وقال له: إنك إمام الوقت، وعين الزمان، والمنظور إليه، والمقتبس من علمه، تضرب إليك أكباد الإبل، ويفتقر إليك الخاص والعام، والرعايا والسلطان، فإذا توسطت مجلسًا كنت المنظور في الصدر، وإذا حضرت محفلًا كنت البدر، قد اشتهر ذكرك في الأقطار والبلاد، وانتشر علمك في كلّ محفل وناد، والألسنة مقرّة بفضلك، فما الذي حملك على الانقياد لابن معروف، واختلافك إليه؟ فصرت تابعًا بعد أن كنت متبوعًا، ومؤتمرًا بعد أن كنت آمرًا، وضعت من قدرك، وضيّعت كثيرًا من حرمتك، وأنزلت نفسك منزلة غيرك، وما فكّرت في عاقبة أمرك، ولا شاورت أحدًا من صحبك.
فقال: اعلم أن هذا القاضي مراده اكتساب ذكر جميل، وصيت حسن، ومباهاة لمن تقدمه، ومع ذلك فله من السلطان منزلة رفيعة، وقوله عنده مسموع، وأمره لديه متبوع، ورأيته يستضئ برأيي، ويعدّني من جملة ثقاته وأوليائه، وقد عرض لي، وصرّح مرّة بعد أخرى، وثانية عقب أولى، فلم أجب، فخفت مع كثرة الخلاف أن يكون تكرار الامتناع موجبًا للقطيعة، وتوقع أضرار، وإذا اتفق أمران، فاتباع ما هو أسلم جانبًا، وأقلّ غائلة أولى، وقد كان ما كان، والكلام بعد ذلك ضرب من الهذيان.
وكان أبو علي الفارسي وأصحابه يحسدونه كثيرًا.
وله من التصانيف:"شرح كتاب سيبويه" لم يسبق إلى مثله، وحسده عليه أبو علي وغيره من معاصريه، و"شرح الدريدية"، و"ألفات القطع والوصل"، و"الإقناع" في النحو، لم يتمّه، فأتمّه ولده يوسف، وكان يقول، وضع والدي النحو في المزابل بـ"الإقناع". يعني أنه سهله جدًّا، فلا يحتاج إلى مفسّر، و"شواهد سيبويه"، و"المدخل إلى كتاب سيبويه"، و"الوقف