ومات في أيام الفائز، سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، وله من العمر تسع وخمسون سنة، رحمه الله تعالى.
وذكر العماد الكاتب في "الخريدة"، وأورد شيئًا كثيرًا من أشعاره، فقال: القاضي ثقة الملك، أبو علي الحسن بن علي بن عبد الله بن أبي جرادة.
من أهل "حلب"، سافر إلى "مصر"، وتقدّم عند وزرائها وسلاطينها، خاصة عند الصالح أبي الغارات ابن رزيك، وهو من بيت كبير بـ"حلب"، وذو فضل غزير وأدب.
وتوفي بـ"مصر"، في جمادى الأولى، سنة إحدى وخمسين وخمسمائة، ومن سائر شعره ما يغنى به، أنشدني له بعض أصدقائي بـ"دمشق":
يا صاحِبَيَّ أطِيلَا في مُؤَانَسَتي … وذَكِّرانِي بِخلَّانِ وعُشَّاقِ
وحَدِّثانِي حَدِيثَ الخَيْفِ إن به … رَوْحًا لقلبي وتَسْهِيلًا لأَخْلاقِي
ما ضَرَّرِ ريحَ الصَّبا لو نَاسَمَتْ حُرقِي .... واسْتَنْفَذَتْ مُهْجَتِي مِن أسْرِ أشْوَاقِي
داءٌ تقادَمَ عندي مَن يُعالِجُهُ … ونَفْثَةٌ بلَغتْ مِنِّي مَنِ الرَّاقِي
يَفْنَى الزَّمانُ وآمالِي مُصَرَّمةٌ … مِمَّنْ أُحِبُّ علَى مَطْلٍ وإمْلَافِ
يا ضَيْعَةَ العُمْرِ لا الماضِي انتَفَعْتُ به … ولا حَصلْتُ على عِلْمٍ مِن الْباقِي
قال: وأنشدني الشريف إدريس بن الحسن بن علي بن يحيى الحسني الإدريسي المصري لابن أبي جرادة قصيدة في الصالح ابن رزيك، يذكر قيامه بنصر أهل القصر، بعد فتكة عباس وزيرهم بهم، وقتله جماعة منهم، وقيام ابن رزيك في الوزارة، أولها:
مَن عَذِيِري مِن خَلِيلِي مِن مُرَادِ .... مَن خَفِيرِي يَوْمَ أرْتادُ مَرادي
ومنها في مدحه:
حامل الأعباء عن أهل العبا … آخذ بالنار من باغ وعاد
مِن عُصاة أضْمَروُا الغَدْرَ فهُمْ … أهلُ نَصْبٍ ونِفاقٍ وعِنادِ