وذكره في "الشقائق النعمانية"، فقال: حسن جلبي بن محمد شاه الفنري، كان ممن جمع بين وظيفتي العلم والعمل، وكان يلبس الثياب الخشنة، ولا يركب دابّة، ويحب المسكين، ويعاشر الفقراء، ويلبس العباءة، ويسكن في بعض الحجر بمدرسته.
وولي تدريس الحلبية بـ "أدرنة"، ثم استأذن السلطان محمدًا في التوجّه إلى "الديار المصرية"، لقراءة كتاب "مغني اللبيب" لابن هشام، على بعض المغاربة هناك، فأذن لكن لا عن رضاء تام، بل نسبه إلى خفّة العقل، حيث يترك التدريس، ويتوجّه للقراءة على الغير، فلمّا دخل "مصر" كتب "المغني" بتمامه، وقرأه على المغربي المذكور، وأجاز له بعض تلامذة ابن حجر، وقرأ عليه "صحيح البخاري".
ثم حجّ، وعاد إلى "الديار الرومية"، وأرسل كتاب "مغني اللبيب" إلى السلطان محمد، فلمّا نظر فيه أعجبه، وزال ما عنده من التكدّر، وأعطاه مدرسة "أزنيق"، ثم إحدى المدارس الثمان، وأقام بها يلقي الدروس، ويسر بفوائده النفوس، ملازمًا للتواضع وخفض الجانب، متلقّيًا ما يجيء من عند اللَّه بالقبول، راغبًا في ثواب الآخرة، معرضًا عن الدنيا بكليته.
حكى عنه بعض أصحابه أنه قال: دخلت عليه يومًا، فوجدته يبكي بكاءً شديدًا، فسألته عن سبب بكائه، فقال: خطر ببالي أنه لم يحصل لي ضرر دنيوي منذ ثلاثة أشهر، وقد سمعت من الثقات أن الضرر إذا توجّه إلى الآخرة تولى عن الدنيا، فلذلك بكيت.
قال: فبينا نحن في الكلام إذ دخل عليه أحد غلمانه وهو مضطرب المزاج، فقال له: ما الخبر؟ فقال: سقطت البغلة من تحتي فماتت. فحمد اللَّه تعالى وشكره، وأعتق الغلام من ساعته.