أنا وأخي، ثم انتقلنا إلى "بخارى"، وأحضرت معلّم القرآن ومعلّم الأدب، وأكملت عشرًا من العمر، وقد أتيت على القرآن، وعلى كثير من الأدب، حتى كان يقضى مني العجب.
وكان أبي ممن أجاب داعي المصريين، ويعدّ من الإسماعيلية، وقد سمع منهم ذكر النفس والعقل، وكذلك أخي، فربما تذاكروا وأنا أسمعهم، وأدرك ما يقولونه، ولا تقبله نفسي، وأخذوا يدعونني إليه، ويجرون على ألسنتهم ذكر الفلسفة والهندسة والحساب، وأخذ يوجّهني إلى من يعلّمني الحساب.
ثم قدم "بخارى" أبو عبد اللَّه الناتلي (١) الفيلسوف، فأنزله أبي دارنا، وقبل قدومه كنت أشتغل بالفقه والتردّد فيه إلى الشيخ إسماعيل الزاهد، كنت من أجود السالكين، وقد ألفت المناظرة والبحث، ثم ابتدأت على الناتلي بكتاب "إيساغوجي"، ولما ذكر لي أحد أن حدّ الجنس هو المقول على كثيرين مختلفين بالنوع، وأخذته في تحقيق هذا الحدّ بما لم يسمع بمثله، تعجّب مني كلّ التعجّب، وحذر والدي من شغلى بغير العلم، وكان أي مسألة قالها لي أتصوّرها خيرًا منه، حتى قرأت ظواهر المنطق عليه، وأما دقائقه فلم يكن عنده منها خبر.
ثم أخذت أقرأ الكتب لي نفسي، وأطالع الشروح، حتى أحكمت علم المنطق، وكذلك "كتاب أقليدس"، فقرأت من أوله إلى خمسة أشكال أو ستة عليه، ثم تولّيت بنفسى حلّ باقيه، وانتقلت إلى "المجسطي"، ولما فرغت من مقدّماته، وانتهيت إلى الأشكال الهندسية، قال لي الناتلي: حلّها
(١) في عيون الأنباء: "النائلي"، والمثبت في الأصول، ووفيات الأعيان ٢: ١٥٨. والناتلي: نسبة إلى ناتل، وهي بليدة بنواحي آمل طبرستان، وناتل أيضًا بطن من الصدف، وناتل كذلك في قضاعة. اللباب ٣: ٢٠٤.