للخدمة التي يقوم بها في بلده، وما يفتح اللَّه به عليه من رزق، ثم أجاب طلبه، لما بينه وبين الداعي وعشيرته من الودّ القديم، وبدأ يدرّس في دار العلوم من ذي الحجّة سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة وألف، ومكث في دار العلوم نحو سبع عشرة سنة، يدرّس كتب الصحاح، ويخدم الحديث السريف تدريسا وتحقيقا، وكتابة وتعليقا، وتربية وتخريجا، عكفا على الدرس والإفادة، والبحث والمطالعة، منقطعا إلى ذلك بقلبه وقالبه، لا يعرف اللذّة في غيره، ولا يتصل بالدنيا وأسبابها، قانعا باليسير! زاهدا في الكثير، مؤثرا للطلبة على نفسه وعياله، ولإجهاد النفس. وتحمّل التعب في الدرس والمطالعة على راحته، لا يدّخر مالا، ولا يطمع في مفقود، ولا يطمح إلى جاه أو منصب، همّه ولذته من العيش أن يعثر على كتاب جديد، أو بحث مفيد، أو أن يجد حجّة لمذهبه الذي ينصره، وولي نظارة "دار العلوم" في ربيع الأول سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وألف، واستقام على ذلك جامعا بين التدريس والإدارة بجدّ واجتهاد، وحسن قصد وإخلاص، حتى دعته دواعي الشوق إلى وطنه، فاعتزل الخدمة في "دار العلوم" لثلاث خلون من ذي الحجّة سنة ثمان
= ومن مميّزات هذه الجامعة: أنها أسّست كمعهد وسط بين الجامعات العصرية والمعاهد الدينية الأخرى، وكانت أولى الخطوات التي اتخذت بعد تأسيس هذه الجامعة مباشرة هي إدخال التعديلات على المنهج الدراسي القديم، فحذفت منه بعض الموادّ الغير الضرورية، كما أضيفت إليه من جانب آخر بعض العلوم العصرية الضرورية، مثل الاقتصاد، والسياسة، والتاريخ، والجغرافية، وغير ذلك، فالمنهاج الدراسي للجامعة جامع بين العلوم الدينية والعصرية، تدرّس فيها جميع المواد الإسلامية، إلى تدرس في جامعات مشايخ ديوبند الأخرى من التفسير والحديث وأصولهما، والفقه وأصوله، والفرائض والعقائد، وعلم الكلام، وغير ذلك، بالإضافة إلى تدريس العلوم الجديدة.