بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ} الآية، فكنا مأمورين باتباعهم وتقليدهم في الدين، والعمل بالسنة.
ولذلك وضع أهل "العراق" ضابطةَ: (أنه إذا ثبت عن الراوي حديثٌ، والعمل بخلافه، لا يُعْمَلُ بالحديث، بل يُعْمَلُ بالعمل). وكذا الإمام مالك رضي اللَّه تعالى عنه، إنما يعملُ بعَملِ أهل "المدينة" إذا وقع الاختلاف في الحديث.
وقد كان السلف أهل القرن الأول من الصحابة والتابعين يَرْوُون كثيرًا من الأحاديث عن النبي صلّى اللَّه عليه وسلّم، ولم يَعْملوا بها، نحو حديث ابن عبّاس رضي اللَّه عنه أن النبي -صلّى اللَّه عليه وسلّم- جمَعَ بين الظهر والعصر في "المدينة"، والمغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر.
وكذا حديث الصلاة في مَرَض النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أنه أمر أبا بكر رضي اللَّه عنه أن يُصلّى بالناس، فقام يُصَلِّى بهم، إذ جاء النبي صلى اللَّه عليه وسلم وأبو بكر يصلي بالناس، فصلى إلى جنب أبي بكر والناس يأتمون بأبي بكر، وأبو بكر يأتم بالنبي صلى اللَّه عليه وسلم، فصار الإمامة للرجلين بالتحريمتين، فهذا الذي يدلّ عليه الحديث، ولم يعمل به أحد من رواة الحديث، لا من الصحابة ولا من التابعين.
وكذا حديث: كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم يضعُ يمينه على شِمَاله، يَشْمَلُ حالةَ القَوْمَةِ، ولم يُؤثر عن السلف الوضع في هذه الحالة، فصار العملُ خلاف الحديث في هذه الحالة.
وكذا حديث: ما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فاقضوا، يَشْمَلُ الذي فاته الركوعُ مع الإمام، وأدركَ السجدتين، والتشهّد، ومع ذلك يقضي ما صلّى مع الإمام بالإجماع، وذلك يُخالفُ عمومَ ما أدركتم فصلّوا.
فإن نظرتَ في الأحاديث وجدتَ كثيرًا أن السَّلَفَ يُروَى عنهم الأحاديث، ويُرْوَى عنهم العملُ خِلافَ روَايتهم، ولما كان السلف هُداةً