مُهدِيينَ، أُمِرنا بتقليدهم في الدين، ففي خلافهم للرواية دليل صريح في أن الرواية فيها عِلَّةٌ، وبها لم يَعملوا بها. فلذلك جَعل السلف من أئمة "العراق" معيارَ نقدِ الروايات عند اختلافها عملَ السلف الصالحين، من علماء الصحابة والتابعين، الذين كانوا في خير القرون.
وذلك لأن الأمّة الآتية كانوا مأمورين بتقليدهم في الدين والشريعة، لما تلونا عليك من الآيات، ولقوله صلى اللَّه عليه وسلم:"أصحابي أمَنَةٌ لأمتي. . . " الحديث، رواه مسلم. ولقوله صلى اللَّه عليه وسلم:"ما أنا عليه وأصحابي" الحديث.
فصار عملُ جماهيرهم من كبارِ العلماء حُجَّةً شرعيةً من إحدى الحُجَجِ الشرعية، ألا ترى إلى عمل الأمّة في قراءة القرآن وختمه في الترويح، ولم يُرْوَ ذلك عن النبي صلى اللَّه عليه وسلم، ولا عن الصحابة، رضي اللَّه عنهم في عهده، صلى اللَّه عليه وسلم، حتى يكونَ تقريرًا، وإنما ثَبَتَ ذلك بعملِ السلف.
وكذا صلاةُ الجماعة في التراويح، كان النبي صلى اللَّه عليه وسلم صلَّى بهم ثم تركها، ولم يأذن لهم أن يصلّوا بالجماعة، فكأنه صار منسوخا، ولم يُعْهَد أيضًا بعدَ تركه صلى اللَّه عليه وسلم أنهم صلّوا التراويح بالجماعة في عهده صلى اللَّه عليه وسلم، حتى يكونَ تقريرًا لذلك، بل الجماعة في التراويح إنما هو عملُ السلّف رضي اللَّه عنهم، فحسب.
فعملُهمْ حجة شرعية، وقد صرَّح بذلك الفقهاء، رحمهم اللَّه تعالى، فإذا عرفتَ ذلك، تبينَ لك أنَّ فقه أئمة "العراق" قد فُرّع على تعليم ابن مسعود رضي اللَّه عنه، الذي جرَى عليه عملُ العراقيين من السلف، ووافقه في كثير من المسائل فتيا عليٍّ وابنِ عباس، وعملُهما، ويقْرُبُ من فقهِ "العراق" فقهُ الإمام مالك، رحمه اللَّه تعالى.