الفقهاء المتقدّمون -لو سُلِّمَ أنها برواةٍ ضعفاء- فقدْ صحَّحها عملُ الصدر الأول جماهيرهم. وهذه ضابطة من ضوابط الأصول "أن الرواية الضعيفة يُصَحِّحُها العملُ".
هذا، ومن المعلوم أن العقائد الإسلامية مدوَّنةٌ في الكتب على وجهين، وجهٍ على مسلكِ السلف، ووجه على مسلك الخلف، ولكلٍّ وجهة هو مولِّيها، فمنهم من رجَّح الأولى بوجه، ومنهم من رجَّح الثاني بوجه. ثم بعد ذلك من شاء نظر في هذا الباب، وفكّر في الوجهين، فاختار من الوجهين، حيث أدَّى إليه نظره وفكرهُ.
فكذلك الفَرْقُ بين الفقهين المذكورين: فقهِ السّلف، فقهِ الخَلَف، فالأول مِعْيارُهُ عملُ الصدر الأول، والثاني مِعيارُه الكلامُ في الرواة من جَرْح وتعديل.
ومن وَسَّع نظرَه في كتب أسماء الرجال، وجد فيها العجائب من أنّ من الرُّواة مَنْ هو عمُودٌ من عمائد الدين، والأقوال في جرحِه كثيرة، تجده في كتب الرجال، كأنه يُخرِّبُ الدين، كأنه في الأمة نظيرُ عبد اللَّه بن سبأ في تخريب مِلَّةِ الإسلام، وكذلك من الرواة من كان عدُوًّا للدين، من الغالين في الاعتزال، والمحترقين بالتشيُّع والرفض والبدعة الخبيثة، ومع ذلك فقد صحّحوا رواياته، فمن تحرَّى في هذا الباب وعلِم الفَرْقَ بين المعيارين: عَمَل السلفِ، وأخبارِ الرواة، فليتمذهب بأيّ مذهبٍ شاء، وليتَفَقَّهْ بأيِّ الفقهين أدَّى إليه نظره وبصيرته. انتهى ما في رسالة شيخنا حيدر حسن خان، رحمه اللَّه تعالى حول حجية العمل المتوارث، وهي محفوظة عندي منقولة من أصلها.