أحمد باشا عندِ مروره بـ "الرملة" في شهر ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وألف، ومنهم: ابن عمّه الفاضل المحقّق حسين جلبي، ومن كان في صحبتهم من الفضلاء، وقرأوا عليه دروسا في الحديث والفقه والأصول، وأجاز الجميع، وأخذ عنه من المغاربة الشيخ الإمام العمدة الرحلة المفسّر المحدّث النحوي صاحب التصانيف يحيى بن محمد بن عبد اللَّه بن عيسى بن أبي البركات "شارح خليل" الجزائري الشاوى المغربي حال توجّهه إلى "الروم"، وهو آخر من أجازه، ومنهم: العالم العامل سيّدي عبد اللَّه بن محمد بن أبي بكر العياشي، والفاضل الكامل سيّدي محمد بن عبد اللَّه بن سيّدي محمد العيّاشي الولي المشهور سلطان المغرب، وغيرهم.
وانتفع بهم ناس، فألحق الأصاغر بالأكابر والأحفاد بالأجداد، وكان سمحا بالإجازة، ما طلبها أحد منه ورده، بل كلّ من طلبها منه يجيزه، إما بالكتابة وإما باللسان، حتى أنه أجاز أهل عصره، وكان حريصا على إفادة الناس، وجبر خواطرهم، مكرما للعلماء وطلبة العلم، غيورا عليهم، ناصرا لهم، دافعا عنهم ما استطاع، وكان معتدل الطول، شثن الأعضاء والأنامل، أبيض بياضه مشرب بحمرة ذا شيبة حسنة، وهيئة مستحسنة، لم ير الناظر أبهى منه وجها، من اجتمع به لا يكاد ينساه، لكثرة تواضعه ولين جانبه وحسن مصاحبته، وكثرة فوائده، وفصاحة منطقه، وإكرامه للوارد عليه، ومجلسه محفوظ من الفحش والغيبة، لا يخلى أوقاته من الكتابة أو الإفادة أو المراجعة للمسائل، وتحريرها صادق اللهجة، ذا فراسة إيمانية، وحكمة لقمانية، متين الدين، عظيم الهيبة، تهابه الحكّام من القضاة، وأهل السياسة.
وكانت "الرملة" في زمنه أعدل البلاد، وللشرع بها ناموس عظيم، وكذا في غالب البلاد القريبة منها، فإنه كان إذا حكم على إنسان بغير وجه شرعي جاءه المحكرم عليه بصورة حجّة القاضي، فيفتيه ببطلانه، فتنفذ فتواه، وقلّ أن تقع واقعة مشكلة في "دمشق" أو في غيرها من المدن الكبار،