وروى أن محمد بن قحطبة قدم "الكوفة"، فقال: أحتاج إلى مؤدّب يؤدّب أولادي، حافظ لكتاب اللَّه، عالم بسنة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، وبالآثار، والفقه، والنحو، والشعر، وأيام الناس.
فقيل له: ما يجمع هذه الأشياء إلا داود الطائي.
وكان محمد بن قحطبة ابن عم داود، فأرسل إليه يعرض ذلك عليه، ويُسنى له الأرزاق والفائدة، فأبى داود ذلك، فأرسل إليه بدرة عشرة آلاف درهم، وقال: استعن بها على دهرك. فردها.
فوجه إليه ببدرتين، مع غُلامين له مملوكين، وقال بها: إن قبل البدرتين فأنتما حُران.
فمضيا بهما إليه، فأبى أن يقبلهما، فقالا له: إن في قبولهما عِتقُ رقابنا.
فقال لهما: إني أخافُ أن يكون في قبولهما وهقُ رقبتي في النار، رداهما إليه (١)، وقولا له: إن ردهما على من أخذتهما منه أولى من أن تعطيني أنا.
قال إسماعيل بن حسّان: جئت إلى باب داود الطائي، فسمعته يخاطب نفسه، فظننت أن عنده أحدًا، فأطلت القيام على الباب، ثم استأذنت فدخلت، فقال: ما بدا لك في الاستئذان؟ قلت: سمعتك تتكلّم، فظننت أن عندك أحدًا.
قال: لا، ولكن كنت أخاصم نفسي، اشتهت البارحة تمرًا، فخرجت، فاشتريت لها، فلمّا جئت به اشتهت جزرًا، فأعطيت اللَّه عهدًا أن لا آكل تمرًا ولا جزرًا حتى ألقاه.
(١) جاء القول في تاريخ بغداد ٨: ٤٣٩، هكذا: وقولا له يردهما على من أخذهما منه أولى من أن يعطيني أنا.