فلما فرغ قام أبو بكر النهشلي، فحمد اللَّه، ثم قال [يا رب] (١) إن الناس قد قالوا ما عندهم مبلغ ما علموا، اللهم فاغفر له برحمتك، وتكله إلى عمله.
قال بعض الصلحاء: رأيت داود الطائي في منامي، فقلت: أبا سليمان كيف رأيتُ خير الآخرة؟ قال: رأيتُ خيرًا كثيرًا.
قال، قلت: فماذا صرت إليه؟ قال: صرت إلى خير، والحمد للَّه.
قال: فقلت: هل لك من علم بسفيان بن سعيد؟ فقد كان يحبّ الخير وأهله.
قال: فتبسم، ثم قال: رقاه الخير إلى درجة أهل الخير.
وذكر العيني، في "تاريخه" أن سبب علته، أنه مر بآية فيها ذكر النار، فكررها مرارًا في ليلته، فأصبح مريضًا، فوجدوه قد مات ورأسه على لبنة.
ورآه في تلك الليلة رجل في المنام، وهو مكشوف الرأس، فقال له: إلى أين؟ فقال: الآن خلصت من السجن.
فانتبه الرجل، وقد ارتفع الصراخ بموته، رضي اللَّه تعالى عنه.
ورأى بعضهم أيضًا في الليلة التي مات فيها داود ملائكة ونُورا، وقالوا: قد زخرفت الجنة لقدوم داود الطائي.
ومما قيل في داود من المدح قول بعضهم:
يَا قَوْمُ ما كان في أَحْوالِ دَاودِ … ما عاشقَ واللَّهِ أمْرٌ غيرُ محمودِ
داودُ مِنْ خَوْفِ رَبِّ العرشِ خالِقِهِ … قد اقْتَنَى الدِّرْعَ لا مِنْ نَسْجِ داودِ
وبيتُه خَرِبٌ ما فيه مُرتَقَبلٌ … سِوى كُسيراتِ خُبْزٍ مِثْلِ جُلْمُودِ
برَفْضِ دَاودَ دُنْياهُ بأَجْمَعِهَا … قد سَادَ حَقًّا جمَيع الحُمْرِ والسُّودِ
طُوبَى له مِن فتى شَدَّ الرِّحَالَ إلى … رَوْض بَهْيجٍ وطَلْحٍ ثَمَّ مَنْضُودِ
رَثُّ الثِّيابِ خَمِيصُ البطنِ مُتَّكِلٌ … على العزيزِ بعِزِّ الفَوْرِ مَوْعُودٍ
(١) تكملة من: تاريخ بغداد ٨: ٣٥٥.