فقال الرجل إني موسر، وأنا في نعمة، ولستُ أحتاج إليها.
فقال له: أما بلغك الحديث: "إن الله يحبّ أن يرى أثر نعمته على عبده"، فينبغي لك أن تغير حالك، حتى لا يغتم صديقك.
وروي (١) أن امرأة جاءتْ إلى أبي حنيفة تطلب منه ثوب خز، فأخرج لها ثوبًا، فقالت له: إني امرأة ضعيفة، وإنها أمانة، فبعني هذا الثوب بما يقوم عليك.
فقال: خُذيه بأربعة دراهم.
فقالتْ: لا تسخر بي، وأنا امرأة عجوز كبيرة.
فقال: إني اشتريتُ ثوبين، فبعتُ أحدهما برأس المال إلا أربعة دراهم، فبقى هذا يقوم عليَّ بأربعة دراهم.
وجاء إليه يوما رجل، فقال: يا أبا حنيفة، قد احتجت إلى ثوب خز.
فقال: ما لونه؟ قال: كذا، وكذا.
فقال له: اصبرْ حتى يقع، وآخذه لك، إن شاءَ الله تعالى.
فما دارت الجمعة حتى وقع، فمرَّ به الرجل، فقال: قد وقعت حاجتُك، وأخرج إليه الثوب، فأعجبَه، فقال: يا أبا حنيفة، كم أزن؟ قال: درهمًا.
فقال الرجل: يا أبا حنيفة ما كنت أظنّك تهزأ.
قال: ما هزأتُ، إني اشتريتُ ثوبين بعشرين دينارًا ودرهم، وإني بعتُ أحدهما بعشرين دينارًا، وبقى هذا بدرهم، وما كنت لأربح على صديق.
ومن المشهور عن مروءته، ووفائه ورعايته حق الجوار، ما روي أنه كان له جار بـ "الكوفة" إسكاف، يعمل نهاره أجمع، حتى إذا جنَّه الليل رجع إلى منزله، وقد حمل معه لحمًا، فطبخه أو سمكة، فشواها، ثم لا يزال يشرب، حتى