للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إذا دب الشراب فيه غنى بصوت، وهو يقول (١):

أضاعوني وأي فتًى أضاعُوا … ليَوم كريهةٍ وسدَادِ ثَغْرِ.

فلا يزال يشرب، ويردّد هذا البيت، حتى يأخذه النوم.

وكان أبو حنيفة يصلي الليل كله، ففقد صوته، فسأل عنه، فقيل: أخذه العسس منذ ليال، وهو محبوس.

فصلى أبو حنيفة صلاة الفجر من غد، وكب بغلة، واستأذن على الأمير، فقال: ائذنوا له، وأقبلوا به راكبا، ولا تدعوه ينزل حتى يطأ البساط.

ففعل، فلم يزل الأمير يوسع في مجلسه، وقال: ما حاجتك؟

قال: لي جار إسكاف، أخذه العسس منذ ليال، ويأمر الأمير بتخليته.

فقال: نعم، كل من أخذ في تلك الليلة إلى يومنا هذا، فأمر بتخليتهم أجمعين.

فركب أبو حنيفة، والإسكاف يمشى وراءه، فلمَّا نزل أبو حنيفة مضى إليه، فقال: يا فتى، هل أضعناك؟ فقال: لا، بل حفظت ورعيت، جزاك الله خيرًا عن حرمة الجوار، ورعايته (٢).

وتاب الرجل، ولم يعدْ إلى ما كان عليه، ببركة الإمام، رضي الله تعالى عنه وأرضاه، وجعل الجنة مُتقلبه ومثواه، ونفعنا ببركاته، وبركات علومه في الدنيا والآخرة.


(١) البيت للعرجي، وهو في الأغاني.
(٢) في تاريخ بغداد "ورعاية الحق".

<<  <  ج: ص:  >  >>