فهؤلاء هم تلامذة الأستاذ، الذين وعتهم الذاكرة أو أرشدت إليهم، ولم أذكر اسمي في هذا السجل، لأني كرهت أن أتقدّم عليهم بحكم حروف المعجم - وقد سبق في هذا المؤلّف -أكثر من مرة- أني تتلمّذت للإمام الكوثرى، رضى الله عنه بعد هجرته وأفدت منه كثيرًا لمدة سنوات طويلة.
على أن الكوثري كانت له رسالة نبيلة في الحياة، هي أبقى أثرًا، وأدوم خلودًا من تلامذته، وقد بيّنها في مؤلّفاته، وسيتبين للناس يومًا ما، أن الرجل كان من المجاهدين الصادقين في صمت وإخلاص ويقين، وأنه كان ينشر العلم لوجه الله، ويدافع عن الدين ابتغاء مرضاة الله.
وإذا كانت الظروف جعلت شهرة الرجل، على انتشارها في حياته، أقلّ من حقيقته وفضله، ودون خلقه وعلمه ونبله، إلا أن الأيام كفيلة بإصلاح هذا، وسيأتي يوم إن شاء الله تعالى يعرف فيه الناس جميعًا من هو الكوثري، وما هي مؤلّفاته القيّمة النافعة، المباركة الناجعة، فإن عرف العطر يضوع، ولا يضيع، وأريج الرند مهما حصرته، فإنه ينتشر، ويشيع، وشذا الورد لم يخلق ليحبس، وإنما لينمو، ويذيع.
وإذا أنكر مزكوم نفح العطور، وطيب المسك والعبير، وحاول تجاهل ذلك، فإن الزكام سيزول يومًا ما، ويبقى للطيب أثره الخالد، وعبقه التالد.
والآن وقد تمّ ما التزمته في مقدمة هذا الكتاب، أرى من المناسب ذكر سند الإمام الكوثري في الفقه إلى إمام المذهب رضى الله عنهما. ثمّ إلى إمام الأئمة صلى الله تعالى عليه وسلم، لينتفع به من يتعسّر عليه الحصول على نسخة من "التحرير الوجيز".
كما أني رأيت أن أتّبع هذا السند قصيدة نظمتها يوم الخميس ١٩ من ذي القعدة سنة ١٣٧٢ هـ بمناسبة مرور سنة على انتقال الأستاذ، رضي الله عنه إلى رحمة الله تعالى ونعيمه وغفرانه وجواره وجنّاته ورضوانه.