وبهذا وذاك يكون زفر فضَّل أبا يوسف على نفسه -رحم الله تلك النفوس الطاهرة ما كان لهوى النفس سلطان عليهم-، وكانت خدمتهم في العلم بإخلاص لله وفي الله، فبارك لهم في علومهم، وما غرّهم ثناء الناس عليهم، بل وقفوا موقف اتّهام النفس، -نفعنا الله بعلومهم-.
ومما يروى في تفضيل زفر على أبي يوسف ما حدّثه ابن أبي العوام عن الطحاوي، عن أبي خازم عبد الحميد القاضي أنه سمع بكرا العمّي، يقول: سمعت محمد بن سماعة يقول عن محمد بن الحسن، قال: حضرت زفر وأبا يوسف يتناظران، فكان أبو يوسف يقهره بكثرة الرواية عن أبي حنيفة والأخبار، فإذا صار إلى المقايسة قهره زفر. اهـ. وأسند عن أبي بشر عن أحمد بن القاسم، حدّثني أبو حفص المروزي، عن بشر بن يحيى، عن خالد بن صبيح، قال: رحلت إلى أبي حنيفة، فنعى إلىّ في الطريق، فدخلت مسجد "الكوفة"، فإذا الناس كلّهم على زفر بن الهذيل، وعند أبي يوسف رجلان أو ثلاثة. اهـ.
لعلّ هذا كان في مبدأ الأمر، ثم علا شأن أبي يوسف بكثرة الآخذين عنه، بحيث لا يلحقه لاحق، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}[الحديد: الآية ٢١].
ومما ذكره ابن أبي العوام بسنده إلى الفضل بن دكين: كان زفر يجلس إلى أسطوانة، وأبو يوسف بحذائه، وكان زفر يلبس قلنسوة بيضاء فخمة، فكانا يتناظران في الفقه، وكان زفر ركينا، حيّد اللسان، وكان أبو يوسف يضطرب في مناظرته، فربما سمعت زفر يقول لأبي يوسف: أين تفرّ؟ هذه أبواب "كندة" مفتحة، فخذ في أيّها شئت. اهـ. وأبواب "كندة" أبواب لقبائل "كندة" في "الكوفة" معروفة، ووقع في بعض النسخ (أبواب كثيرة) بدل أبواب "كندة"، والمعنى صحيح في اللفظين، ولفظ الصيمري يسنده إلى محمد بن سماعة: كان زفر يستند إلى أسطوانة، وكان رجلا ركينا، فينتصب، فلا