أو شاهد أكثر مما شاهد هؤلاء!!، وقد روى الناس عنه أكثر مما رَوَوْا عنهم!! وإنما كان كذلك؛ لأن الخلفاء الراشدين، رضي الله عنهم، كانوا فقهاء الصحابة، وكانوا أصحابَ مقالات ومذاهب، وكذلك عبد الله بن مسعود، وكانوا يفتون بكل علم صدر عن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن فعله، فيخرجونه على وجه الفتوى، ولا يروونه، وربما رواه البعض منهم عند احتياجه إلى الاحتجاج به على غيره ممن خالفه من نظرائه.
وهذا هو المعنى في قلة رواية ذي المقالة والمذهب عن النبي صلى الله عليه وسلم للناس، وقلة روايتهم عنه.
وأما هو فقد سمع من الأخبار، وجمع ما لم يحط به غيره؛ فإن الأخبار منها ناسخ ومنسوخ، ومثبت وناف، وحاظر ومبيح، ونحو ذلك، فإذا ورد جميع ذلك إلى صاحب المقالة نظر فيها، وأخذ بالناسخ منها، وهو المتأخّر، فإن لم يعلم بالمتأخّر، أخذ بأرجحهما عنده، وترك الآخر، فإذا أخذ المتأخّر أو ما رجح عنده، فربما رواه، وربما أفتى بحكمه، ولم يروه، وأسقط ما نافاه، ولم يلتفتْ إليه، وأصحاب الحديث يروون الجميع؛ فلهذا قلَّت رواية الخلفاء الأربعة، ومن بعدهم من الفقهاء.
وقد يرد أيضًا الخبر من طرق كثيرة، فيقتصر صاحب المذهب منه على أصحّ الطرق، فيرويه منها، وريما أفتى بحكمه، ولم يروه، وأصحاب الحديث يروونه من جميع طرقه، فلهذا قلّت الروايةُ عن الفقهاء أولي المقالات.
قال أبو بكر عتيق بن داود اليماني: فإن قال قائل: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "بلّغوا عني ولو آية"، وقال عليه الصلاة والسلام:"نضر الله امرءًا سمع مقالتي، فوَعَاها، ثم أدَّاها إلى مَنْ لم يسمعها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه". قيل له: إذا أفتى بما قال النبي صلى الله عليه وسلم، أو بما فعل، فقد بلغ أشدّ التبليغ؛ لأن صاحب المقالة والمذهب،