ورُوي أنه قال: كُنتُ بـ "بغداد"، فأردتُ الانْحدار إلى "البصرة"، فقلت لابن أخي: اكْتَرِ لنا، فجعل يُنادي: يا مَعْشَرَ الملاحون. فقلتُ له: ويلك، ما تقول! فقال: جُعِلْت فِداك، أنا مولَعٌ بالنَّصْب.
وعن رَوْح بن عُبادة، قال: كنا عند شُعْبَة، فضَجِر من الحديث، فرمى بِطَرْفه، فرأى أبا زيد سعيد بن أوس في أخْرَيات الناس، فقال يا أبا زيد:
اسْتَعْجَمَتْ دارُ مَيٍّ ما تُكلِّمنا … والدارُ لو كلَّمتْنا ذاتُ أخبارِ (١)
إليّ يا أبا زيد. فجاءه، فجعلا يتناشَدان الأشعار، فقال بعضُ أصحاب الحديث لشعبة: يا أبا بِسْطام، نَقْطَع إليك ظُهور الإبل لنسْمعَ منك حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتدَعُنا وتُقْبِلُ على الأشعار! قال: فرأيت شعبةَ قد غَضِبَ غَضبا شديدا، ثم قال: يا هؤلاء، أنا لا أعلم بالأصْلَحِ لي، أنا والله الذى لا إله إلا هو في هذا أسْلَمُ منه في ذاك.
ورُوي أن بعضَ أصحاب الحديث سرَق نَعْلَ أبي زيد، فكان إذا جاء أصحاب الشِّعر والغَريب والأخبار، رَمى بثيابه، ولم يتفَقَّدْها، وإذا جاء أهْلُ الحديث جَمعها كلَّها، وجعلها بين يديه، وقال ضُمَّ يا ضَمَّام، واحْذَرْ لا تنام.
ورُويَ أن أبا زيد سُئل عن أبي عَبَيْدة والأصْمَعِيّ، فقال: كذَّابان. وسُئِل عنه، فقالا: ما شئتَ من عفافٍ وتقوى وإسلام.
مات سنة خمس عشرة ومائتين، رحمه الله تعالى.
وذكره في "الدُّر الثمين"، وذكر له عِدَّة مصنّفات، منها: كتاب "مراتب النحويين"، وكتاب "إيمان عثمان"، وكتاب "حِيلَة ومَحَلة"، وكتاب
(١) البيت منسوب للنابغة، وهو في ديوانه بشرح ابن السكيت ٣٣٣، فيه "دار نعم".