بالنظارة مدّة ثمانية أعوام، وقد فدعت رجله اليسرى من ضرب البندقية انطلقت من يده خطأ في بيته بـ"أعظمكره" سنة أربع وعشرين وثلاثمائة وألف، فقطعها الجرّاح الإنكليزي من الساق، ثم صنعت له رجل من أدم وخشب، فكان يدخل فيه رجله المقطوعة، ويربطها بالرباطات المحكمة، ثم يمشي كالأصحّاء.
كان قويّ الحفظ، سريع الملاحظة، يكاد يكشف حجب الضمائر، ويهتك أسرار السرائر، دقيق النظر، قويّ الحجّة، ذا نفوذ عجيب على جلسائه، فلا يباحثه أحد في موضوع إلا شعر بانقياد إلى برهانه، وربما لا يكون البرهان مقنعا، وكان واسع الاطّلاع في تاريخ الإسلام والتمدّن الإسلامى، كثير المحفوظ بالأدب والشعر، كثير المطالعة لم يفته كتاب كتب في آداب الأمم وفلسفة أخلاقهم إلا طالعه.
ولم يكن له نظير في سرعة الجواب، والمجئ بالنادرة الغريبة على جهة البديهة، وسرد الأبيات الفارسية والأردوية على محالها، وله عناية كاملة بالعلم، ورغبة ونشاط وإقبال على المذاكرة والتصنيف وإلقاء الخطب.
وكان مع ذلك معجبا برأيه، لا ينقاد لأحد، ولو كان برهانه مقنعا، وفيه شيء من التلوّن، ومن عادته أنه كلما يحدّث في مسألة، يكثر في التعبير، وإذا أنشد شعرا أتبعه بالشرح والترجمة، كان مخاطبه أعجمي، وهو عربي، أو مخاطبه جاهل لا يعرف اللغة العربية والفارسية، وهو عارف باللغات المتنوّعة والمعاني الدقيقة يريد إفهامه، وكذلك كانت عادته أنه ربما يأخذ رأيا في أمر من الأمور من رجل، ثم يعرض على الناس، وينسبه إلى نفسه، وربما يعرضه على ذلك الرجل بعارضة البلاغة، ويمهّد له المقدّمات، كأنه خصيمه في ذلك الأمر.
وكان معتزليا في الأصول، شديد النكير على الأشاعرة، وله كتب ورسائل في ذلك، ككتابه في فنّ الكلام، وكتابه في تاريخ الكلام، ومقالاته