وعن أبي مُعاوية، قيل للأعمش في علته: لولا أن أبا حنيفة يأتيك، لأتيناك مرتين في اليوم.
فلما جاءه أبو حنيفة، قال: إن الناس يستثقلونني لما أصنع بهم في الحديث، وقد زدتني أنت عندهم ثقلًا، قالوا لي: كيت وكيت.
فقال له: لولا العلم الذي يُجريه الله على لسانك ما رأيتني ولا أحدًا من أصحابي ببابك، وذلك أن فيك خِصالًا أنا لها كارهٌ، تتسحر عند طلوع الفجر، وتقول: هو الأول، وقد صح عندي أنه الثاني، وترى الماء، وتُفتي به، وتجامع أهلك، فإذا لم تنزل لم تغتسل أنت ولا هي، ولولا أنك تتأول من الحديث ما غاب عنك معانيه ما استحللت أن أكلّمك، ولكنّك تتأول شيئًا غيره، والله أولى بك.
فما تسحر الأعمش بعد ذلك إلا بالليل، ولا قرب أهله إلا اغتسل وأمرها بالغسل، وقال: صيام وصلاةٌ يكونان باختلاف، والله لا أفتيت بذلك أبدًا.
وعن عبد الصمد بن حسَّان، قال: كان سفيان الثوري يختلف إلى أبي حنيفة، فوقعتْ بينهما وحشة، فقعدَ عنه، ثم عادَ إليه، فجلس مُتقنعًا، فسئل أبو حنيفة عن مسئلة، فأسرع الجواب فيها، فقال له السائل: يا أبا حنيفة، ألا تنظر فيها؟ قال: إني أستيقن أنهما كما أجبتُ، كما أستيقن أن هذا سُفيان.
ثم أخذ أبو حنيفة بقناعه، فحركه ابن المبارك.
وقال عبد الصمد أيضًا: قلتُ لأبي عبد الله سفيان الثوري: ما تقول في الدعوة قبل الحرب؟ فقال: إن القوم قد علموا ما يُقاتلون عليه.
فقلت: إن أبا حنيفة يقول فيها: ما قد بَلغك.
فنكس رأسه، ثم رفعه، وأبصر يمينًا وشمالًا، فلم ير أحدًا، فقال: إن كان أبو حنيفة ليركب في العلم أحد من سنان الرمح، وكان، والله، شديد الأخذ