قال الصَّلاح الصَّفدِيّ: ووجدتُ بخطّه في حائط "المدرسة السُّلطانية" بـ"حلب" مكتوبا:
أبدًا تَسْترِدُّ ما تَهَبُ الدُّنْـ … ـــيَا فيا ليتَ جودَها كان بُخْلا
وكتبه صَرْغَتْمَشُ الناصرِيّ. فلما قرأت ذلك عجبتُ من هذا الاتِّفاق، فكأنه كأشَف نفسَه بما وقع له، واستردّتْ ما وهَبَتْه الدنيا، وأخذ السلطان من أمواله وحَواصِله شيئا يعْجَزُ الوصفُ عنه.
قال الصّفَدِيُّ: وقد كتبتُ قصيدة أمدحه بها، ولكن ما جهّزْتها إليه، وهي:
يا هَمُّ لا تدخلْ إلى خاطرِي … فإن لي صَرْغَتمَشَ الناصِرِي
قد زيَّن الله الليالي به … لأنَه كالقمر الزّاهر
وكمَّل الله المعالي به … فأصبحتْ في رَوْنقٍ باهرِ
والملكُ قد أضحَى به في حِمًى … لأنَه كالأسد الخادر
غَلَّ يدَ الظُّلم وعُدْوانَه … وكفَّ كَفَّ الخائن الجائر
مسَدَّد الآراء في فِعْلِه … لأنه ذو باطنٍ طاهر
ما أبْصَرَ الناسُ ولم يسمعوا … بمثله في الزمن الغابر
سيوفُه إن سلَّها في الوَغَى … كبارقٍ تحت الدُّجَى طائرِ
يُغْمِدُها في مُهُجات العِدا … فتكْتَسى ثوبَ الدّم المائر
يمينه للجود مُعْتادة … قد أخْجلَتْ صَوبَ الحياء الماطر
كواكبُ السَّعْد له قد غدتْ … تخْدمُه في الفَلَكِ الدائر
أنشا له مدرسةً حُسْنُها … بين الورَى كالمثَلِ السائرِ
فسيحةُ الأرْجاء قد زُخرِفَتْ … بكل لَوْن راق للناظر
رُخامُها مُحْتلِف لونه … كمثل رَوْض يانِعٍ زاهرِ
وذهْنُه مُتَّقِدٌ بالذكا … لأنه ذو خاطر حاضر
وعِلْمه زاد على غيره … كلُجٍ بحْرٍ طافحٍ زاخر