سمع منه هذا الكلام قام، وقال: حدِّثْ وغُلامِي العَطّارِ حُرّ لوَجْه الله تعالى عن يَمِينك. فأعجَبَه ذلك، وقال: أنت نَبيلٌ، وقيل: لأنه كان يلبس الخَزَّ وجيِّدَ الثِّياب.
وقيل: لقَّبه بذلك جارية لِزُفَر.
قال الطحاوِيّ: حدَّثنا يزيدُ بن سِنان، قال: كُنّا عند أبي عاصم، فتحدَّثْنا ساعةً، وقال بعضُنا لبعض: لِمَ سُمِّيَ أبو عاصم النَّبيل؟ فسمع بذلك، فسألَنا عن ما نحن فيه، وكان إذا عَزَم على شيء لم يُقْدَر على خِلافه، فذكرْنا له ذلك، فقال: نعم، كُنّا نخْتلِفُ إلى زُفَرَ، وكان معنا رجلٌ من بني سَعْدٍ، يُقال له: أبو عاصم، وكان ضعيف الحال، وكان يأتي زُفَرَ بثياب رَثَّةٍ، كنتُ آتِيه بطَوِيلةٍ على دابة، بثياب سِرِيَّة، فاستأذنتُ يوما، فأجابتْني جارية عنده، وفيها عُجْمَةٌ، ويقال لها: زَهْرَة، فقالت: مَنْ هذا؟ فقلْتُ: أبو عاصم. فدخلتْ على مَوْلاها، فقال لها: مَن بالباب؟ فقالت له: أبو عاصم، فخرج ليقِفَ على المسْتأذِن عليه مَن هو، أبو عاصم أو السَّعْدِي. فقالت له: ذلك النَّبيل. ثم أذِنَت لي، فدخلتُ عليه وهو يَضْحَكُ، فقلتُ: وما يُضْحِكُك، أصْلَحَك الله؟ فقال: إن هذه الجاريةَ لقَّبَتْكَ بالنَّبيل، لا أراه يُفارقُك أبدا في حياتك ولا بعد موتك. ثم أخبرني خبرَها، فسُمِّيتُ يومئِذٍ النَّبيل.
قال في "الجواهر": قال الذهبي: أجْمَعوا على تَوفيق أبي عاصم.
وقال عُمر بن شَبَّةَ: والله ما رأيتُ مثلَه.
وقال البُخاريُّ: سمعتُ أبا عاصم، يقول: منذ عَقَلْتُ أنَّ الغِيبَة حرام، ما اغْتَبْتُ أحدا قَطُّ.
وقال ابنُ سعد: كان فقيها، ثقَةً.
مات بـ "البصرة"، في ذي الحِجَّة سنة اثنتي عشرة ومائتين، وهو ابن تسْعين سنة وأشْهُر. وقيل: سنة ثلاث عَشرة.