جنديّ الغضب والشهوة هلك هلاكا يقينيا، وخسر خسرانا مبينا، وذلك حال أكثر الخلق، فإن عقولهم صارت مسخّرة لشهواتهم في استنباط الحيل لقضاء الشهوة، وكان ينبغي أن تكون الشهوة مسخّرة لعقولهم.
أما بيان علامات مرض القلب، فكما أن كلّ عضو من أعضاء البدن خلق لفعل خاص به، ومرضه أن يتعذّر عليه فعله الذي خلق لأجله، كذلك مرض القلب أن يتعذّر عليه، فعله الذي خلق لأجله، وهو العلم والحكمة والمعرفة وحبّ الله تعالى أو عبادته والتلذّذ به وإيثار ذلك على شهوة سوء، وخاصية النفس، التي هي للآدمي ما يتميّز به عن البهائم، ولم يتميّز بها بقوّة الأكل والوقاع، بل بمعرفة الأشياء على ما هي عليه، وأصل الأشياء موجودها ومخترعها، الذي جعلها شيئا هو الله تعالى، فإذا عرف كلّ شيء، ولم يعرف الله تعالى، فكأنه لم يعرف شيئا، فإن الناس كلّهم قد هجروا هذه العلوم، واندرست في هذه الأعصار، واشتغلوا بتوسيط الخلق في الخصومات الثائرة من اتباع الشهوات، وقالوا: هو الفقه، وأخرجوا هذا العلم الذي هو فقه الدين من جملة العلوم، وتجرّدوا لفقه الدنيا الذي ما قصد به إلا رفع الشواغل ليتفرّغ لفقه الدين، وكان فقه الدنيا من فقه الدين بواسطة هذا الفقه.
وفي بعض الكتب: إعلم أن القلب في الحقيقة بمنزلة القالب في الشريعة، ولا معول إلا على القلب، لأنه موضع نظر الله تعالى إليها، كما قال عليه السّلام:"إن الله لا ينظر إلى صوركم"، إلخ. فللقلب علل وأمراض مثل أمراض الأشخاص، فإن القلب إنسان حقيقي، وله من الأعضاء حقائق، فللقلب رأس يحيى به، كما يحيى البدن برأسه، فإذا جزّ رأس البدن لا يحيى فكذلك القلب، ورأس القلب إدراكه لطائف الغيب، وهذا الإدراك ينقسم مثل انقسام حواسّ الرأس، وأقسامه البصيرة والتذكّر والمراقبة والتميّز والتفكّر، فالبصيرة عين القلب، التذكّر لسان القلب، والمراقبة سمع القلب، والتفكّر