بالعلم مماراةً ولا مباهاةً، ولا مجادلةً ولا مضاهاةً، بل قصر ليله على العبادة، ونهاره على الإفادة، ويقول الحقَّ، ويعملُ به، ويفعلُ الخيرَ، ويرشد إليه، ولا تأخذه في الله لومةُ لائم، ولا تصدّه عن الحق رهبةُ ظالم.
ولا سبيل إلى هذا السبيل إلا بعد معرفتهم، والوقوف على درجاتهم، والإحاطة بأوصاف أخيارهم، والاطلاع على جملة أخبارهم، ففيه فوائد جمة.
وثانيا: الاطلاع على مراتبهم ومدارجهم، فيؤمن به من تنزيل الأعلى إلى الأدنى، واختيار قول الأدنى على الأعلى عند تعارض أقوالهم.
وثالثا: الاطلاع على مواليدهم وأعصارهم ووَفَياتهم، فيؤمن من جعل القديم حديثا والعكس.
ورابعا: الاطلاع على أثارهم وحكاياتهم وتصانيفهم، فيحصل الشوقُ إلى الاهتداء والاقتداء.
وخامسا: إنهم أئمتنا وأسلافنا كالوالدين لنا، وأجدى علينا مصالح أخرتنا، التي هي دار قرارنا، وأنصح لنا فيما هو أعود علينا، فيَقْبُح علينا أن نجهلَهم، وأن نمهلَ معرفتَهم.
قال الداعية الكبير أبو الحَسَن الندوي رحمه الله: كتب التراجم والسير في الإسلام - وهي أوسع مكتبة وأثراها في تاريخ أمة من الأمم العِلْمِيّ والتأليفيّ - زاخرة بهذه الأخبار التي تُثير الهممَ، وتُشْعِل الموَاهب، وتنفُخُ في القاريء روحا جديدة، وحَمَاسا جديدا، وتعالج الفُتورَ في الهمم، والقناعة بالدُّون، والخمودَ في الطبائع، والاشتغال بسَفَاسِف الأمور: معالجة رفيقةً حكيمةً، لا يستثقلُها القاريء، ولا يشعُرُ بمرارة الدواء أو لَذْع آلة الجراحة.
وقد سبقَ في هذا المضمار علماءُ الشافعية، فبدأُوا مبكرين في النصف الأول من القرن الخامس للهجرة، قال التاج السبكي في "طبقات الشافعية الكبرى": فأول من بلغني صنَّف في ذلك الإمام أبو حفص عمر المطَّوِّعي المتوفى نحو سنة ٤٤٤ هـ، فصنّف كتابا، حماه "المذْهَب في ذكر شيوخ