واشتهر ذكره في حياة والده، وعظم قدره، وولّاه الأعمال العظيمة، فباشرها أحسن مباشرة، ثم حصل لوالده فالج، عطله عن الحركة، وكان ولي عهده من بعده أكبر أولاده دارا شكوه، فبسط يده على البلاد، وصار هو المرجع والسلطان معنى، فلم ترض نفس المترجم، وأخوه مراد بخش بذلك، فاتفقا على أن يقبضا عليه، ويتولى المملكة منهما مراد بخش، فقبضا عليه، ثم احتال أورنك زيب على مراد بخش أيضًا، وقبض عليه، ووضع أخويه في الحبس، ثم قتلهما لأمور صدرتْ منهما، زعم أنهما استوجبا بها ذلك، وحبس والده، واشتغل بالمملكة من سنة ثمان وستين، وألّف، وأراد الله بأهل "الهند" خيرا، فإنه رفع المظالم والمكوس، وطلع من الأفق الهندي فجره، وظهر من البرج التيموري بدره، وفلك مجده دائر، ونجم سعده سائر، وأسر غالب ملوك "الهند" المشهورين، وصارت بلادهم تحت طاعته، وجبيت إليه الأموال وأطاعته البلاد والعباد، ولم يزل في الاجتهاد في الجهاد، ولم يرجع إلى مقرّ ملكه وسلطنته بعد أن خرج منه، وكلما فتح بلادا شرع في فتح أخرى، وعساكره لا يحصون كثرة وعظمة، وقوته لا يمكن التعبير عنها بعبارة، تؤدّيها حقّها، والملك لله وحده، وأقام في "الهند" دولة العلم، وبالغ في تعظيم أهله، حتى قصده الناس من كلّ البلاد.
والحاصل أنه ليس له نظير في عصره في ملوك الإسلام في حسن السيرة، والخوف من الله تعالى، والجدّ في العبادة، وأمر علماء بلاده الحنفية أن يجمعوا باسمه فتاوى، تجمع جلّ مذهبهم، مما يحتاج إليه من الأحكام الشرعية، فجمعت في مجلّدات، وسمّاها بـ "القتاوى العالمغيرية"، واشتهرت في الأقطار الحجازية والمصرية والشامية والرومية، وعمّ النفع بها، وصارت مرجعا للمفتين، ولم يزل على ذلك، حتى توفي بـ "دكن" في شهر ذي القعدة الحرام سنة ثماني عشرة ومائة وألف، وأقام في الملك خمسين سنة. انتهى.