ومن مُلَحِه وجَواهِره (١)، التي سارتْ مَسيرَ الأمثال، واستعْمَلها في مُكاتباتهم فحول الرجال، ما أخرجَه الأمير أبو الفضل عُبيد الله بن أحمد، في كتابه "مُلَح الخواطر"، وما أخرَجه غيرهُ مما ساقه صاحب "اليتيمة"، رحمه الله تعالى، فمنه قولُه: من اسْتماح البحرَ العَذْب، اسْتخرج اللُّؤْلُؤَ الرَّطْب. مَن طالتْ يدُه بالمواهب، امْتدَّت إليه ألْسِنة المطالب. مَن كفَر النِّعمة، اسْتَوْجَب النِّقْمَة. مَن نبَتَ لحمُه على الحرام، لم يَحْصُدهُ غيرُ الحُسام. مَن غرَّتْه أيامُ السَّلامة، حدَّثَتْه ألْسُنُ الندامة. مَن يَكُنِ الحَذّاءُ أباه، تجِدّ نَعْلاه. مَن لم يهُزَّه يَسير الإشارة، لم ينْفَعْه كثير العبارة. رُبَّ لَطائف أقوال، تَنوب عن وظائف أموال. الصدر يطْفَح بما جمَعَه، وكلُّ إناء مُؤَدٍّ ما أودِعَه. اللَّبيبُ تكفيه اللَّمْحة، وتُغْنيه اللَّحْظة عن اللَّفظة. الشمسُ ينْبو ثم يقْطَع. العلمُ بالتّذاكر، والجهل بالتّناكر. إذا تكرَّر الكلام على السمع، تكرَّر في القلب. الضَّمائر الصِّحاح، أبْلَغُ من الألْسِنَة الفصاح. الشيء يَحْسُنُ في إبّانه، كما أنَّ الثَّمر يُسْتطابُ في أوانه. الآمال مَمْدودة، والعَوارِي مَرْدودة. الذِّكْرَى ناجعة، وكما قال الله نافعة. مَتْنُ السَّيف لَيِّنٌ، ولكن حَدَّه خَشِن، ومَتْنُ الحَيَّة ألْيَن، ونابها أخْشَن. عَقْدُ المنَن في الرِّقاب، لا يُبْلَغُ إلا بركُوب الصِّعاب. بعض الحِلم مَذَلَّة، وبعض الاسْتِقامة مَزَلَّة. كتاب المرء عُنْوان عقله، بل عيار قدره، ولسان فضله، بل ميزان علمه إنجاز الوعد،
من دلائل المجد. واعتراضُ المطْل، من أمارات البخل، تأخيرُ الإسْعاف، من قرائن الأخلاف. خيرُ البِرِّ ماضَفا وصفا، وشرُّه ما تأخر وتكدر. فراسة الكرم لا تبطي، وقيافة الشرف لا تُخْطِي. قد ينبح الكلب القمر، فيلقم النابح الحجر. كم متورِّط في عِثار، رجاء أن يُدْرك بثار. بعض الوعد كنَقْع الشراب، وبعضه كلمح السراب. قد يبلغُ الكلام، حيث تقصر السهام. ربما كان الإقرار
(١) هذه الفصول القصار، في يتيمة الدهر ٣: ٢٤٣ - ٢٤٦.