للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الذي اتَّفقت الألْسُن على مدحه، والقلوب على حبِّه، ووقع الإجماع على أنَّه فريدُ عصرِه، ووحيدُ دهرِه، ونَسيجُ وَحْدِه، وواسِطة عِقْده.

ذكره التميمي في "طبقاته"، وقال: ذكره أبو إسحاق الشِّيرازِيّ في أصحاب أبي حنيفة، ثم حمله الانْحِراف عن الإمام الأعظم وأصحابه، كما هو المشهور عنه، أنْ قال: ثم تركه، ورجع عن مذهبه (١). ولم يذكر لكلامه دليلا، ولا أتَى فيه بحُجّةٍ، ولا ذكَر إلى أيِّ مذهبٍ رجَع، إلى أيِّ طريق اتَّبع، وهل تفرّد بمذهب، وتمسّك بمَطْلب، وترك التقليد أصلا، واجْتهد كبقيَّة، أصحاب المذاهب المتَّبَعة أم لا، وحُسنُ رأي ابنِ المبارك في أبي حنيفة، ومَدْحُه له، وثَناؤه عليه، إلى أن توفّاه الله تعالى، كما هو مُسْتَفيضٌ عنه، ومَشْحونةٌ به الكتُب ومتفقِّهٌ عليه ألسُنُ الرُّواة، يدُلُّ على أنَّه لم يزلْ آخذا برأيه، مُصَوِّبا لأقوالِه، ذاهبا إلى مذهبه، رضي الله تعالى عنهما، وجمَع بينهما في دار كَرامته.

ولا يُلْتَفتُ إلى ما يُلَفِّقه الخطيبُ البغداديُّ في "تاريخه"، من كلام يحْكِيه عن ابن المبارك، ينْسُبُه إليه، ويَرْويه عنه، مما يريد الخطيبُ أن يُشنِّع به على أبي حنيفة، رضي الله تعالى عنه؛ فإنَّ تعصُّبه معلوم، وبُغْضه غيرُ مَكْتوم، حتى إنّ بعضَ الأفاضل صنَّف في الرّدِّ عليه كتابا سمّاه، "السَّهم المصيب في كَبِد الخطيبُ".

وحيث كان الأمر على ما ذكرْنا، والشأن على ما قرَّرنا، وجب أن نذْكُرَه في جملة الأصحاب، ونُجمِّل بنَشْر مَحاسِنه طَيّ هذا الكتاب، كما ذكَر جميعُ مَن صنَّف في تراجم الحنفية، وعَدُّوه [من] أئمَّتهم المرْضيَّة، فنقول وبالله التوفيق:

ذكرَه الحافظ الذهَبِيّ في "طبقات الحفّاظ"، وقال في حَقِّه (٢): الإمام الحافظ، العلامة، شيخ الإسلام، فخر المدرِّسين، قُدْوةُ الزاهدِين، أبو عبد


(١) انظر: طبقات الفقهاء ١٣٧.
(٢) تذكرة الحفاظ ١: ٢٧٤، وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>