للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قلتُ: هذا الذي اسْتدلَّ به الزَّرْكَشِيُّ على أنَّه كان حنفيّ المذهب، يُعارِضه احْتمالُ كونِه قال ذلك على عادة الشعراء في التَّلَعُّبِ بالكلام، وإظهار الاقتدارِ في أشْعارِهم على الأبيات، بالمعانِي البديعة، والصنائع الحسنة، سواءٌ كانوا يعْتقِدون ما قالوه، ويعملون به، أم لا، وهو الغالب عليهم، والظاهر من أقوالهم وأفعالهم، ولكنْ يُؤيِّدُ كونَه من الحنفية، أنّ غالبَ الخلفاء العبّاسية المتقدِّمين كانوا يعتقدون مذهبَ الإمام الأعظم، ويأخذون بأكثر أقْواله، وكان أكثرُ قُضاتِهم من العُلماء الحنفية، ولما احْتمل واحتمل، وكان ابنُ المعْتَزّ من مَحاسِن الزمان، وأدباء الأوان، وممَّن انتهتْ إليه صناعةُ الشِّعر، أحْبَبْنا أن نأخذُ في ذلك بالأحْوَط، ونُجَمِّلَ كتابنا هذا بمَحاسنِه، التي حقُّها أن تُكْتَبَ بسواد الأبصار على بَياض الخدود، فنقولُ وبالله المستعان، وعليه التُّكْلانْ.

قال السَّيد عبد الرحيم العَبّاسِيّ: هو أوَّلُ مَن صنَّف في صَنْعة الشِّعر، وصنَع "كتاب البديع"، وهو أشْعر بني هاشم على الإطلاق، وأشْعرُ الناس في الأوصاف والتَّشْبيهات، وكان يقول: إذا قلتُ: "كأنَّ: ولم آتِ بعدَها بالتَّشْبيه، ففضَّ الله فايَ،

حدَّث جعفر بن قُدامة، قال (١): كنتُ عندَ ابن المعْتَزِّ يومًا، وعنده شِرَّةُ (٢)، يعني اسمَ مَحْبوبته، وكان يُحِبُّها يَهِيمُ بها، فخرجت علينا من صَدْر البستان في زمن الربيع، وعليها غُلالةٌ مُعَصْفرةٌ، وفي يدها جنابي من باكورةِ باقِلا، والجُنابَى: لعْبة للصِّبيان، فقالتْ له: يا سيِّدِي، تَلْعَبُ معي جُنابَى. فالْتفَتَ إلينا، وقال على بَدِيهته، غيرَ مُتوقِّفٍ ولا مُفَكِّر (٣):

فَدَيْتُ مَن يتمَشَّى في مُعَصْفَرةٍ … عَشِيَّةً فسقانِي ثم حَيّانِي


(١) الأغاني ١٠: ٢٨٠، ٢٨١، ومعاهد التنصيص ٢: ٣٩.
(٢) في الأغاني "نشر"، وفي المعاهد" سرية"، وانظر المعاهد أيضًا ٢: ٣٧.
(٣) البيتان في ديوانه ١: ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>