للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فكيف أحْتالُ إذا زارَنِي … حتى يكونَ الأمرُ مَسْتُورَا

ومن نَثْرِه الجارِي مَجْرى الحِكَم والأمثال، قوله (١): مَن تجاوَزَ الكفافَ لم يُغْنِه الإكثار. رُبَّمَا أوْرَدَ الطمعُ ولم يُصْدِر. مَن ارْتحَل الحِرْصَ أنضاهُ الطَّلبُ. الحَظُّ يأتي مَن لا يأتِيه. أشْقَى الناسي أقْرَبُهم من السُّلطان، كما أنَّ أقْرَب الأشياء من النار أسْرعُه إلى الاحْتراق. مَن شارَك السُّلْطان في عِزِّ الدنيا، شارَكه في ذُلِّ الآخرة. يكْفِيكَ للحاسد غَمُّه بسُرورك.

ولم يزلْ، رحمه الله تعالى (٢)، في طِيْب عَيْشٍ ودَعَةٍ، وأمْنٍ من عَوادِي الزّمان، إلى أن قامت الجُنْدُ وأرْبابُ الدَّوْلة، ووثَبوا على المقْتدِرُ، وخَلَعوه، وطلبوا أن يُبايعوه بالخلافة، وألحّوا عليه في ذلك، فقال: بشَرْطِ أن لا يُقْتَلَ بسَبَبِي مسلمٌّ، فقَبِلوا ذلك منه، وبايَعوه، ولقَّبوه المرتضى بالله، وقيل: المنْصِف، وقيل: الغالب، وقيل: الرَّاضي.

وبعث إلى المقتدر يأمرُه بالتّحَوُّلِ إلى دار محمد بن طاهر، لكي ينْتقلَ هو إلى دار الخلافة، فاجاب، ولكن [ما] بَقِيَ معه غيرُ مُؤْنِس الخادم، ومُؤْنِس الخازن، وغريب [خالُه، وجماعةٌ] (٣) من الخَدَم، فباكر الحُسين بن حَمْدان دارَ الخلافة، فقاتَلَها، فاجْتمع الخدمُ، فدفعوه عنها، بعد أن حمَل ما قدَرَ عليه من المال، وسار إلى "الموْصِل"، ثم قال الذين عندَ المقْتَدِر: يا قوم، نُسَلِّمُ هذا الأمرَ، ولا نجرِّب نفوسَنا في دَفْع ما نزَل بنا! فنزلُوا في الزَّوارق، ألْبسُوا جماعةً منه السِّلاح، وقصَدوا المخَرَّمَ، وبه عبد الله بن المعْتَزّ، فلمَّا رآهم مَن حولَ أَوْقَعَ الله في قلوبهم الرُّعْبَ، فانْصَرفوا مُنْهَزِمين بلا حرب، وخَرَج ابنُ المعْتَزّ، فركب فرسا، ومعه وزيرهُ محمد بن


(١) معاهد التنصيص ٢: ٤٥، ٤٦، وبعضه في أشعار أولاد الخلفاء ٢٨٧.
(٢) نقل المؤلف هذا وما يليه عن معاهد التنصيص ٢: ٤١، ٤٣.
(٣) في بعض النسخ "خال جماعة"، والمثبت من المعاهد.

<<  <  ج: ص:  >  >>