قال: ارْجِع إلى مَوضعِك. فقام والله إلى البَرّادَة، فجاءنِي بكوز ماء، وقام على رأسي، فقال: اشربْ يا يحيى! فقلتُ: يا أمير المؤمنين! هلّا وَصيفٌ أو وَصيفةٌ يقومُ بذلك؟ فقال: إنَّهم نيامٌ. قلتُ: فأنا كنتُ أقومُ للشُّرب. فقال لي: لُؤْمٌ بالرجل أن يستَخْدِمَ ضَيْفَه. ثم قال: يا يحيى! فقلتُ: لبَّيْك يا أمير المؤمنين! قال: ألا أحَدِّثك؟ قلتُ: بلى يا أمير المؤمنين! قال: حدَّثني الرشيدُ، قال: حدَّثني المهْدِيُّ، قال: حدَّثني المنصور، عن أبيه، عن عِكْرِمة، عن ابن عبّاس، قال: حدَّثني جَريرُ بن عبد الله، قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: "سَيّدُ القَوْمِ خادِمُهم".
وعن يحيى أيضًا: ما رأيتُ أكْرَمَ من المأمون، بِتُّ عندَه ليلةً، فعَطَش، وقد نِمْنا، فكَرِه أن يصيح بالغِلْمان، فأنْتَبَه وكنتُ مُنْتَبها، فرأيتُه قد قام يمشي قليلا قليلا إلى البرَّادة، وبينه وبينها بُعْدٌ، حتى شرِبَ، ورجَع. قال: يحيى: ثم بِتُّ عندَه ونحنُ بـ "الشام"، وما معي أحدٌ، فلم يَجِئْني النومُ، فأخذ المأمونَ سُعالٌ، فرأيتُه يسدُّ فاهُ بكُمِّ قميصِه كي لا أنْتَبِه، ثم حَمَلنِي آخرَ الليل النومُ، وكان له وقتٌ يقومُ فيه يسْتاكُ، فكَرِه أن يُنَبِّهنِي، فلمّا ضاق الوقت عليه تَحرَّكتُ، فقال: الله أكبر، يا غِلْمان، نَعْلُ أبي محمد.
وقال يحيى أيضًا: كنتُ أمشي يوما مع المأمون في بُستان موسى، في مَيْدان البُسْتان، والشمسُ عليَّ، وهو في الظِّلِّ، فلمّا رجعنا قال لي: كُنِ الآن أنتَ في الظِّلِّ. فأبَيْتُ عليه، فقال: أوَّلُ العدلِ أن يَعْدِل الملِكُ في بِطانتِه، ثم الذين يلونهم، حتى يَبْلُغَ إلى الطبقة السُّفْلى.
وعن عبد الله بن محمود المرْوَزِيّ، قال: سمعتُ يحيى بن أكْتَم القاضي يقول: ما رأيتُ أكْملَ آلةً من المأمون. وجعل يُحدِّث بأشياءَ اسْتَحْسنَها مَن كان في مجلسِه، ثم قال: كنتُ عندَه ليلةً أُذاكِرُه، ثم نام وانْتبَه، فقال: يا يحيى! انْظُرْ أيْش تحت رِجْلِي. فنظرتُ فلم أرَ شيئا، فقال: شَمْعةً. فتبادَر الفَرَّاشون، فقال: انْظروا. فنظروا، فإذا تحت فراشِه حَيَّةٌ بطُولِه، فقتلوها،