والحافظ الزيلعي هذا جامع لتلك الأوصاف حقّا، ولذلك أصبحت أصحاب التخاريج بعده عالة عليه.
فدونك كتب البدر الزركشي، وابن الملقّن، وابن حجر، وغيرهم من الذين يظنّ بهم أنهم يحلّقون في سماء الإعجاب، ويناطحون السحاب، وقارنها بكتب الزيلعي، حتى تتيقّن صدق ما قلنا، بل إذ فعلت ذلك ربما تزيد، وتقول إن سدى تلك الكتب ولحمتها كتب الزيلعي، إلا في التعصّب المذهبي.
وكتاب الزيلعي هذا يجد فيها الحنفي صفوة ما استدلّ به أئمة المذهب من أحاديث الأحكام، ويلقى المالكي فيها نقاوة ما خرّجه ابن عبد البر في "التمهيد"، و"لاستذكار"، وخلاصة ما بسطه عبد الحق في كتبه في أحاديث الأحكام، والشافعي يرى فيه غربلة ما خرّجه البيهقي في "السنن"، و"المعرفة"، غيرهما، وتمحيص ما ذكره النووي في "الخلاصة"، و"المجموع"، و"شرح مسلم"، واستعراض ما بينه ابن دقيق العيد في "الإلمام شرح العمدة"، كذلك الحنبلي يلاقي فيه وجوه النقد في "كتاب التحقيق" لابن الجوزي، و"تنقيح التحقيق" لابن عبد الهادي، وغير ذلك من الكتب المؤلّفة في أحاديث الأحكام.
بل يجد الباحث فيه سوى ما في الصحاح والسنن والمسانيد والآثار والمعاجم، من أدلّة الأحكام أحاديثَ في الأبواب، من "مصنف ابن أبي شيبة" أهمّ كتاب في نظر الفقيه، و"مصنف عبد الرزاق"، ونحوهما، مما ليس بمتناول يد كلّ باحث اليوم، مع استيفاء الكلام في كلّ حديث، من أقوال أئمة الجرح والتعديل، ومن كتب العلل المعروفة، وهذا مما جعل لهذا الكتاب ميزة عظمى بين كتب التخاريج.
ولا أريد بهذا الثناء على كتابه تثبيط العزائم وتخدير الهمم، ولا إنكار أنه لا نهاية لما يفيض الله سبحانه على أهل العزيمة الصادقة من خبايا