واعلم أن الطريقة النقشبندية تنتهي إلى الشيخ العارف بالله الشيخ خواجه بهاء الدين النقشبندي، ولنذكر بعضا من مناقبه ومن مناقب بعض أحبائه رجاء أن ينفعنا الله تعالى بذكر مناقبهم الشريفة، وأوصافهم اللطيفة، نفعنا الله تعالى بهم في الدنيا والآخرة، فنقول أصل هذه الطريقة خواجه بهاء الدين النقشبندي قدّس سرّه العزيز، واسمه الشريف محمد بن محمد بن محمد البخاري، كان نسبته في الطريق إلى السيّد أمير كلال، وتلقّن منه الذكر، وتربى أيضًا من روحانية الشيخ عبد الخالق الفجدواني.
سئل هو عن طريقته وقيل: إنها مكتسبة أو موروثة، فقال: شرفت بمضمون جذبة من جذبات الحق، توازي عمل الثقلين، وسئل هو أيضًا عن معنى طريقته، فقال: الخلوة في الكثرة، وتوجّه الباطن إلى الحق والظاهر إلى الخلق، قال: وإليه يشير قول الله عزّ وجلّ {رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}.
وكان لا يذكر علانية، ويعتذر في ذلك، يقول: أمرني عبد الخالق الفجدواني في الواقعة بالعمل بالعزيمة، فلهذا تركت الذكر في العلانية، ولم يكن له غلام، ولا جارية، فقيل له في ذلك، فقال: العبد لا يليق أن يكون سيّدا، وسئل أين منتهى سلسلتك؟ فقال: لا يصل أحد بالسلسلة إلى موضع، وكان يوصي باتهام النفس ومعرفة كيدها ومكرها.
وكان يقول لا يصل أحد إلى هذه الطريقة، إلا بمعرفة مكايد النفس، وقال في قوله تعالى:{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ} إشارة إلى أن المؤمن ينبغي أن ينفي وجوده الطبيعي في كلّ طرفة عين، ويثبت معبوده الحقيقي.
وكان يقول: نفى الوجود أقرب الطرق عندي، ولكن لا يحصل إلا بترك الاختيار، ورؤية قصور الأعمال، وكان يقول: التعلق بما سوى الله تعالى حجاب عظيم للسالك.
وكان يقول: طريقتنا الصحبة والخير في الجمعية بشرط نفي الأصحاب بعضهم بعضا، وفي الخلوة شهرة والشهرة آفة، وقال أيضًا: طريقتنا هي العروة